من الأدلة العقلية للبعث: الخلق الأول

ثم قال سبحانه: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] وهذا كالتعقيب على كل ما سبق، ففي الآية: أن الله خلقهم أول مرة -وهذا يمكن أن يعد دليلاً عقلياً رابعاً على أمر البعث- وهو خلق الإنسان أول مرة، فيضاف إلى أمر السماء والأرض والمطر الإنسانُ، وقد أشار الله تعالى إليه إشارة واضحة في آخر سورة (يس) : {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] ففيها موضع عجيب، أي أن الله عز وجل لم يذكر إلا البداية والحال، فالبداية من نطفة والحال الآن أنه خصيم مبين، وبين هذا مراحل، لكن الله تعالى طواها ليظهر العجب في الإنسان، فهو بالأمس نطفة، واليوم خصيم مبين لله جل وعلا: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] قبل أن يذكر المثل أتى بكلمة محت كل شيء -والمثل الآن لم يذكر في الآية- لكنه قال: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] هذه الكلمة {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] جملة اعتراضية -كما يقولون- لكنها مسحت كل ما سيقوله الإنسان: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] ولو لم ينس خلقه ما قال هذا لأن مسألة الخلق واحدة، بل في مقياس البشر الإعادة أهون من البدء، فالذي بدأ فإن الإعادة أهون عليه، وإن كان الأمر بالنسبة لله جل وعلا كله هين كما قال في نفس السورة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فخلقه بالكلمة سبحانه: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79] فأبرز قضية الاستدلال بخلق الإنسان أول مرة، على الاستدلال بإعادته مرة أخرى، وهاهنا في سورة (ق) قال: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق:15] كلا {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] أي: التبس الأمر عليهم بالخلق الجديد الذي هو إعادتهم بعد بعثهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015