إثبات البعث بالدليل العقلي

ولذلك انتقل إلى ما يمكن أن نسيمه بالدليل العقلي على مسالة البعث، فذكر لهم أربعة أدلة: أولاً: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] فهذا الدليل خلق السماء بما فيه من قوة وجمال.

ثانياً: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:7-8] فهذه الأرض أيضاً بما بسطها الله تعالى، ومدها، وجعل فيها من الاستقرار لصلاحيتها للحياة عليها، واستخدامها في البناء، وفي الإنبات والزرع، وفي غير ذلك.

ثالثاً: {وَنزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9-11] فالدليل الثالث هو إحياء الأرض بالمطر بعد موتها، وهي ظاهرة مرئية، فأنت ترى الأرض يابسة هامدة، فإذا أنزل الله عليها الماء انقلبت إلى خضراء تهتز بألوان النباتات، فهذا اُستُدِلَ به في القرآن الكريم لأمرين: الأول: إثبات البعث كما أن هذه الأرض بالأمس كانت ميتة فنزل المطر فأحياها الله تعالى به بعد موتها، فكذلك الإنسان يُحيا بعد موته، بل ويُحيا بالمطر، فقد جاء في حديث البعث: {إن الله تعالى ينزل من السماء ماء فتنبت به جثثهم، فكل ما في الإنسان يبلى إلا عجب الذنب} إلى أن قال: ومنه يعود مرة أخرى {فينبتون كما ينبت البقل} كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام فسواء بسواء كما تنبت الأرض بالمطر كذلك ينبت الإنسان بعد موته.

الثاني: اُستدل عليه بهذا، وهو حياة القلب بعد موته، فإنَّ القلب يموت بالإعراض عن الله وآياته، حتى يظن الناس أن هذا القلب لا حياة فيه.

وقبل يومين حدثني إنسان عن شخص، فذكر ما فيه من الضلال والانحراف، فقلت: لعل الله أن يهديه، قال: مستحيل أن يهتدي هذا الإنسان! قالها هكذا دون أن يفكر في معناها (مستحيل!) سبحان الله! نعم لو قلنا: إنك أنت الذي ستهديه ربما نصدق هذا، لكن إذا قلنا: إن الله يمكن أن يهديه فلا مستحيل على الله جل وعلا فقد هدى من هو شر منه، ولهذا تعرفون الموضع الذي نبه الله تعالى فيه على أنه كما تحيا الأرض بالمطر، كذلك القلوب تحيا بعد موتها بالوحي والإيمان، في سورة الحديد: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] فهذه دعوة إلى إيقاظ القلوب بالخشوع لله تعالى وعدم القسوة، فأعقب ذلك إشارة إلى أنه كما أن الأرض تحيا بالمطر، فكذلك القلوب تحيا بالوحي، فلا ييئس الإنسان من إمكانية أن يعود ويؤوب قلبه إلى الهدى، ويلين بعد أن كان قلباً قاسياً أو منحرفاً ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الحديد وغيره، وهو مأخذ حسن، وهاهنا في سورة (ق) ذكر الله تعالى إحياء الأرض بالمطر {وَنزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} [ق:9-11] كل ذلك أتبعه بقوله: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11] كما تحيا الأرض بالمطر وينبت منها هذا الخير الكثير، كذلك يكون خروج الناس يوم القيامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015