التوازن بين العلم والعبادة والدعوة

Q عندما ينشغل بعض الدعاة خلال دعوتهم عن التفرغ لطلب العلم، أو كثرة التعبد لله سبحانه، فإن مشاغل الدعوة قد أخذت عليه جل وقته، فما هو إرشادك لهؤلاء، بحيث يتمكن من الجمع بين الثلاثة، دون الإخلال بأيٍ منهم؟

صلى الله عليه وسلم لا شك أن المسلم مطالب بالتوازن، والحقيقة أن كثيراً من الناس وخاصةً الشباب يخلون بهذا المطلب الذي هو التوازن، فإذا أقبل الإنسان على أمر أقبل عليه كله، وإذا أدبر عنه أدبر عنه كله، فتجد الشاب اليوم -مثلاً- منشغلاً بالدعوة، حتى ربما تفوته صلاة الجماعة، وربما أخل بكثيرٍ من الواجبات، وربما سبب مضايقات لأهله ولوالديه، وقصر في أشياء كثيرة.

ثم تجده من الغد وقد ترك هذه الأشياء كلها، فتسأله ولم يا أخي؟ يقول لك: يا أخي أنا نظرت فوجدت أنني قد أهملت نفسي، وقد قصرت في العبادة، وقد قصرت في طلب العلم، وقد قصرت في حقوق الوالدين, ويبدأ في تعداد الآثار السلبية التي نتجت عن عدم توازنه الأول.

فيجعل من هذه الأسباب وسيلة لأن يخطئ مرةً أخرى، ويخل بالتوازن مرةً أخرى، فيترك أمر الدعوة بالكلية ليتجه لتحصيل العلم، فتجده متنقلاً من حلقةٍ إلى حلقة، ومن درسٍ إلى درس، وإذا خلا ببيته خلا للقراءة، وإذا اجتمع بأصدقائه فإنه يكون قد اصطحب معه كتاباً ليقرأه وهكذا، فيسيطر عليه هم العلم لفترة معينة، فيستيقظ بعد فترة، وإذا به قد أخل بأشياء أخرى كثيرة، فيلتفت إليها، وهكذا، لا يعرف التوازن إليه سبيلاً، هذا خطأ.

وقد لاحظت وقوع كثيرٍ من الشباب المقبلين على الدين وعلى الدعوة في هذا الأمر، والنصيحة التي أنصح بها نفسي وإخواني أن نحرص على أن نكون متوازنين في سائر أعمالنا، وحين نشعر بتقصيرنا في مجال من المجالات، يجب أن نشعر أنه من غير الممكن، أن نسدد النقص الذي نشعر به بين عشية وضحاها، ولذلك قال أحد العلماء، كما حكاه أبو هلال العسكري في كتابه "الحث على طلب العلم" قال: من أراد أن يحصل على العلوم كلها في وقتٍ قصير فهو مجنون.

وهذا حال كثيرٍ من الناس، فحين تشعر بالتقصير في مجال من المجالات، فتذكر أن الطريق الصحيح للتغلب على هذا التقصير الموجود لا بد أن يكون بالتدرج، لنفترض أنك قد أخللت، أو شعرت بالإخلال بواجب طلب العلم، فحينئذ عليك أن ترسم لنفسك برنامجاً معتدلاً معقولاً فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، وليكن -مثلاً- بدء هذا البرنامج، بأن تحفظ القرآن الكريم بصورة تدريجية، خلال سنتين أو ثلاث سنوات، مع مجموعة من زملائك في المسجد، أو في البيت، أو في أي مكان، وحفظ القرآن هو عنوان طلب العلم، قال الله عز وجل عن القرآن: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] فإذا حفظت القرآن، انتقل إلى أخذ علمٍ آخر، فإذا أتقنته أو أتقنت أصوله ابدأ بعلمٍ ثالث وهكذا.

وهناك طريقة أخرى وهي: أن تبدأ بحلقةٍ معينة -مثلاً- فتقرأ على شيخٍ مجموعة من الكتب، فإذا أنهيتها وأخذت ما عند هذا الشيخ، انتقلت إلى شيخٍ آخر، وهكذا.

طريقة ثالثة: قد تقول: ليس لدي وقت لملازمة حلقة هذا العالم، أو هناك موانع، فحينئذٍ ابدأ في تحصيل العلم مع نفسك، أو مع مجموعة من زملائك، باختيار مجموعة من الكتب، في ألوان شتى من العلوم والفنون، وتستعين على ذلك بسماع أشرطة العلماء؛ فإنك تجد اليوم بحمد الله مجموعة كبيرة من الأشرطة، قد سجلت عليها دروس علمية في سائر العلوم، وأنت حين تسمع هذه الأشرطة تستفيد منها فائدة كبيرة، حتى كأنك حاضرٌ في هذه الحلقة، مع وجود الفارق، لا أقول: إنك حاضر، ولكن كأنك حاضرٌ في هذه الحلقة، وإن كان للحضور فائدة وبركة أخرى، المهم: النصيحة مرةً أخرى حين تشعر بالتقصير في أي مجال من المجالات يجب أن تتذكر أن سد هذا التقصير لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، بل لا بد أن يأخذ صورة تدريجية شيئاً فشيئاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015