نظرة خاطئة في طريق السعادة

أيها الإخوة: إذا عرفنا جميعاً أن الناس يتفقون في البحث عن السعادة، فإننا يجب أن نعرف أيضاً أن كثيراً منهم يخطئون طريقها، فالفقير يحسب السعادة في الغنى، فيسعى لجمع المال بكل وسيلة، والمريض يحسب السعادة في الصحة والعافية فيسعى إلى نيلهما وتحصيلهما، والضعيف يظن السعادة في القوة، والشخص الخامل المغمور يظن السعادة في الجاه والشهرة، والمخفق يظن السعادة في النجاح، وهكذا يظن كثيرٌ من الناس أن السعادة في تحصيل المطالب التي طويت عنهم، وحرموا نيلها وتحصيلها، فيسعون إلى نيل هذه المطالب بكل وسيلة.

وأنت إذا نظرت إلى هذه الأشياء التي يسعى الناس إلى نيلها وتحصيلها؛ وجدت أنها في الحقيقة لا توصلهم إلى نبيل السعادة؛ لأن السعادة كما سبق هي: طرد الهم والغم عن القلب، وطلب هذه الأشياء -من المال، أو الجاه، أو الشهرة، أو المنصب، أو الصحة، أو النجاح- بمجردها ولذاتها لا لغيرها، لا يزيل الهم عن القلب، وإن تخيله بعض الناس كذلك، بل إن طلب هذه الأشياء ونيلها؛ يجر إلى الإنسان آلاماً وهموماً كثيرةً، فيا ترى ما هذه الآلام والهموم والغموم، التي يجرها سعي الإنسان لتحصيل هذه الأعراض الظاهرة من مالٍ، أو جاهٍ، أو صيتٍ، أو غيرها؟! أولاً: يصيب الإنسان الهم والغم، بعدم تحصيله لكل ما يريد، فكم من إنسان سعى سعياً حثيثاً لنيل المال -مثلاً- فأخفق في ذلك، وكانت نتيجة سعيه أن أثقلت كاهله الديون الكثيرة.

إذاً فقد يصيب الإنسان الهمُّ، بحرمانه من هذه الأشياء التي يسعى في تحصيلها، أو من بعضها، وقد يصيبه الهم من خوفه من زوالها بعد الحصول عليها، فكم من إنسان جاءته الدنيا وأقبلت عليه، فتجده مع ذلك قلقاً خائفاً أن ترتحل عنه هذه الأعراض، وأن تزول عنه بين عشيةٍ وضحاها، ولذلك كان كثيرٌ من المتشائمين، وإن أقبلت عليهم الدنيا، فإن قائلهم يقول: يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً فحتى والإنسان يتمتع بهذه الأعراض، فإن الهم يأتي إلى قلبه من خوف زوالها، ثم إن هذه الأعراض قد تزول -فعلاً- بعدما حصل عليها الإنسان، فيبقى الهم لا يغادر قلبه، وكلنا يعرف كم من غنيٍ افتقر بعد غنى، وكم من حاكم دانت له الرقاب، وذلت له الرءوس، فإذا هو بين عشية وضحاها شريداً طريداً، وكلكم يذكر -مثلاً- قصة حاكم إيران، الطاغية المتجبر، الذي كان يحلم بإقامة امبراطوريةٍ عظمى، فإذا به بين عشيةٍ وضحاها يخسر عرشه، ويخرج طريداً من بلاده، ويهرب من بلدٍ إلى آخر لا يأمن على نفسه، ولا على ماله أو ولده، ثم يموت شرَّ ميتة بالصورة التي يعرفها الجميع.

إذاً: فهناك همٌ ثالث يصيب الإنسان، وهو: زوال هذه الأعراض بعد حصوله عليها.

وهناك هم رابع يصيب من نالته أو من نال هذه الأعراض، وهو: أن يخشى أن يزول هو عنها، فإن هذه الأعراض إن لم ترتحل عنك، فإنك سوف ترتحل عنها بالموت لا محالة، ولذلك فالموت سيفٌ مصلتٌ على رقاب الجبارين، لأنه لا أحد مطلقاً يطمع في النجاة منه والخلود أبداً، وهذا همٌ لا يغادر قلوبهم أبداً.

الهم الخامس الذي يصيبهم؛ هو: ما يغشى قلوبهم ويعتريها، حين يرون من يفوقهم في هذه الأعراض، فالغني إذا رأى من هو أغنى منه اكتأب، والحاكم إذا رأى من هو أكثر منه في رقعة البلاد التي يحكمها، أو عدد البشر، أو غير ذلك اكتأب، والقوي إذا رأى من هو أقوى منه اكتأب، وهكذا الهم السادس: هو ما يصيب قلوب هؤلاء الذين حصلوا على بعض الأعراض الدنيوية، مما يسمعونه من ذم الناس لهم، وعيبهم لهم، فأنتم تعرفون -مثلاً- أن هناك أغنياء يملكون الأموال الطائلة، ثم تجدون كثيراً من الناس يتكلم فيهم، وينال منهم بأي صورةٍ من الصور، فالإنسان الذي يملك الغيرة الدينية، يقول: تعساً لهؤلاء الأغنياء، ما أغنى عنهم مالهم، إن هذه الأموال يعذبون بها في الدنيا، وتزهق أنفسهم وهم كارهون، ويعذبون بها في قبورهم وآخرتهم، والإنسان الذي يحس بالغيرة الوطنية يقول: تباً لهؤلاء الأغنياء، إنهم تنكروا لأوطانهم وبلدانهم، فأصبحوا ينفقون الأموال الطائلة في بلاد أوروبا وغيرها، ولا تستفيد منهم بلدانهم التي ينتسبون إليها، وأقاربهم يقولون: ليس لنا إلا الاسم، أما غير ذلك فلم ننتفع منهم وهكذا فيشقى هؤلاء الأغنياء، بالذم الذي يسمعونه على ألسنة الناس.

وأخيراً يشقى هؤلاء كلهم أو معظمهم بما يعرفونه من العذاب الذي أعده الله عز وجل لمن استعمل هذه الأعراض في غير مرضاته، فسواء آمنوا بهذا العذاب المنتظر لأمثالهم إيماناً حقيقياً، أو ظنوا أنه سيصيبهم، أو خافوا، ففي جميع هذه الحالات هم يعذبون بالوعيد الذي ذكره الله عز وجل في كتابه لأمثالهم.

لذلك كله، فإن الإنسان يخطئ حين يعتقد أن السعادة، وطرد الهم والغم عن قلبه، يكون بتحصيل الأعراض الدنيوية، وتحصيل المال، والسمعة والصيت والجاه، أو بتحصيل المركز والوظيفة، أو القوة، أو بتحصيل الشهادة الدراسية، أو الشهوة الحيوانية، يخطئ الإنسان طريق السعادة حين يقضي عمره وأيامه في البحث عن هذه الأعراض الزائلة، وحينئذٍ يسأل الإنسان: وهل هناك سعادةٌ أو لذةٌ يشعر بها الإنسان غير هذه السعادة؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015