السعادة الحقيقية

لقد ذكر شيخ الكاتبين في مصر الأديب المشهور/ مصطفى المنفلوطي، في كتابه الذي سماه"بالنبرات" قصة سماها "قصة الصياد" وخلاصة هذه القصة: أن أحد أصدقائه قال: إن رجلاً قرع عليه الباب، فخرج فإذا هو بصياد ممن يصيدون السمك، وإذا معه سمكةٌ كبيرة، وقال له -بعد أن سلم عليه وحياه- أتشتري مني هذه السمكة؟ قال: فلم أساومه عليها بل سألته مباشرةً: كم تريد عليها؟ فقال: أريد عليها كذا وكذا.

قال: فنقدته الثمن حالاً، فارتاح الصياد لهذا، وشكرني ودعا لي، وقال لي -وقد رأى علي مظهر الغنى والثرى.

قال: جعلك الله سعيداً في نفسك كما جعلك سعيداً في مالك.

قال: فقلت له: أيها الصياد، وهل هناك سعادة غير سعادة المال؟ قال لي: أجل! إن سعادة المال لا قيمة لها، ما لم يكن الإنسان سعيداً في نفسه.

فقال له: وهل أدركت سعادة النفس؟ قال: نعم، إنني وأنا الرجل الفقير، أحس في قرارة قلبي بسعادة لا حدود لها.

قال: وكيف تشعر بالسعادة، وأنت ترى هؤلاء الأغنياء أصحاب الأموال الطائلة والقصور الفارهة والمراكب الفخمة؟ قال له الفقير البسيط: وأي شيءٍ أغنت عنهم هذه الأموال التي وجدوها، وهي لم تمنحهم السعادة التي يبحثون عنها، إن هذا مما يزهدني في المال، أنني أرى الذين حصلوا عليه هم أكثر الناس شقاءً به، يشقون في جمعه، ثم يشقون في المحافظة عليه، ويشقون في تنميته، ويشقون به في الدنيا والآخرة.

أما أنا -الصياد الفقير- فإني أجد لذةً في حياتي حياتي البسيطة البعيدة عن التكلف والتعقيد، بين أولادي وزوجي في هذا الكوخ المتواضع، ولا أشعر لأحدٍ بمنةٍ علي إلا لله عز وجل، فأتوجه إليه بالعبادة والشكر والتعظيم، وأتعرف عليه بأسمائه وصفاته، وأتقرب إليه بألوان العبادة بكرةً وعشياً.

فتعجب هذا الرجل الغني من هذا المنطق القوي، الذي يتحلى به هذا الفقير.

أيها الإخوة: إنك حين تبحث عن السعادة الحقيقية تجد أنها شعورٌ في النفس والقلب، حيث ينفسح وينشرح فيشعر بالسعادة، حتى مع فقد جميع الأعراض الدنيوية، ويضيق القلب ويظلم، فيشعر بالقلق والشقاء، حتى مع وجدان جميع الأعراض الظاهرة الزائلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015