وقد لاحظت في هذه المقالات المتعددة عدة أمور:- الأول: أن الرجل يطالب بالحوار، ويقول: يجب أن يكون حواراً هادئاً متزناً عقلانياً بعيداً عن التشنج، ولكنه هو كان يرمى الناس بالحجارة، وبالخشب، وبالعصي، وبالعبارات النابية، وأقل ما يرمي به أمثال المشايخ الفضلاء، بأنهم متطرفون، وأنهم يرتقون باسم العلم، وباسم الدين، وهم ليسوا من أهل العلم، ولا يستحقون مثل هذه الأمور، ويتكلم بلهجة متشنجة، هي أبعد ما تكون عن الهدوء، وأبعد ما تكون عن الحوار.
ثانياً: أن الرجل يتهم المشايخ والعلماء والدعاة، بأنهم يسعون إلى تمزيق المجتمع وتفريقه، وهذه تهمة قديمة، هو يردد كلاماً قيل من قبل، ولكن الغريب أن الرجل في الوقت الذي يتهم فيه الآخرين بتقسيم المجتمع إلى مسلمين وعلمانيين.
وهذه حقيقة قائمة شئنا أم أبينا، فإن الإسلام لا يقسم الناس على أساس دولي أو وطني، أو هذا -مثلاً- من بلد وذاك من بلد، إنما يقسمهم على أساس الدين، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] .
فهذا مقياس شرعي لابد منه شئنا أم أبينا، ولكن الغريب أن الرجل في الوقت الذي يتهم فيه الدعاة، بأنهم يسعون إلى تفريق المجتمع وتمزيقه، إلا أنه هو عمل على تمزيق المجتمع بطريقةٍ جاهلية، حيث إنه وصف الدعاة والمختصين والصادقين بأنهم من المتطرفين، وأنهم يتعاطفون مع إخوانهم المتطرفين في كل مكان، وأنهم قد احترقوا وهلكوا بدعم حسن الترابي، وراشد الغنوشي وغيرهم، من رجال التطرف كما يقول.
فهذا لون من تمزيق المجتمع، والإسلام لا يعرف معتدلاً ومتطرفاً، الإسلام يعرف مسلماً صادقاً أو كافراً، والمسلم قد يكون مقصراً كما هو الحال بالنسبة للكثيرين، لكن ما عهد أن المسلم المقصر، أو المخطئ، يعيب ويتهم أولئك المسلمين الصادقين المجتهدين المخلصين، وينتقد عليهم صدق إيمانهم، وصحة يقينهم، وعظم بلائهم وجهادهم.
الأمر الثالث: أن الرجل يقوِّل العلماء ما لم يقولوا، ويتمسح بأسمائهم، فقد ذكر الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بغير مناسبة، ثم ذكر سماحة الوالد عبد العزيز بن باز، بغير مناسبة أيضاً.
بل إن من الطريف المضحك المبكى، أنه نقل كلاماً للشيخ عبد العزيز بن باز قاله الشيخ دفاعاً عن الشيخ سفر الحوالي وأمثاله من الدعاة، والله تعالى يشهد على ذلك، وأنا ممن وقفوا على هذا بنفسي، أن ذلك البيان المشهور، صدر دفاعاً عن مجموعة من الدعاة، فالرجل جعل هذا المقال الذي كتبه الشيخ دفاعاً عن الدعاة، جعله كلاماً ينتقده فيه، أويجيره ضد خصومه.
الأمر الرابع: أن هذا الرجل يقول في أحد المقالات: إن الشارع العربي حطم مكاسب الدول العربية والإسلامية، أي أن الشارع العربي تحول إلى شارع أصولي، شارع متطرف، وبتعبيرنا نحن، تحول إلى شارع التدين، فهو مستاء من أن نتدين، لم يعد حكراً على طائفة من الناس -في المسجد مثلاً- وإنما أصبح الشارع كله -يعني جمهور الناس- أصبحوا متدينين.
فهو يقول: إن الشارع يحطم مكاسب الدول، ويشير بذلك إلى ما يجري مثلاً في الجزائر، ومصر، وفي تونس، في عدد من البلاد التي جمهور الناس فيها ضد أي إجراء يعملونه ضد المسلمين، وفي الوقت نفسه كتب هذا الرجل في العدد الأخير، يقول: إن المواطن يقف مع رجل الأمن جنباً إلى جنب، في مقاومة التطرف.
فسبحان الله! المواطن الذي بالأمس يقول: إنه أصولي وإنه متطرف، وإنه يحطم مكاسب الدول.
كيف تحول في لحظة واحدة، إلى أن يقف جنباً إلى جنب مع رجل الأمن؟! إننا نعلم أن رجال الأمن في مصر مثلاً، جاءوا إلى أحد المساجد، بهدف القبض على بعض الشباب، وقت صلاة الجمعة، فواجههم الناس كلهم جميعاً ووقفوا ضدهم.
وقالوا: لا يمكن أن تأخذوا أحداً وإذا أصررتم على البقاء، فسوف نقاتلكم، فاضطرت أجهزة الأمن إلى الانسحاب، وهذا الخبر قرأته بنفسي في جريدة الحياة، وقد سمعنا ورأينا أن هناك مسيرات تسير في شوارع الخرطوم وغيرها، قوامها أحياناً أكثر من مائتين وثلاثمائة وأربعمائة ألف، تأييداً للمكاسب والانتصارات الإسلامية.
وهذا يدل على أن الشعور الإسلامي أصبح شعوراً متزايداً متنامياً في العالم الإسلامي كله، وما يجرى في الهند هو نموذجٌ جديد أيضاً، كيف استطاع الرجل أن يتجاهل كل هذه الحقائق! وجريدته إحدى الجرائد التي تذكرها أحياناً، ليقول: إن المواطن يقف جنباً إلى جنب مع رجل الأمن، إنها ظاهرة غريبة، لقد تكلم أحدهم قبل سنوات، أثناء حرب الخليج، وألَّف كتباً عن بعض الدعاة، وأصدرها في كتيب بعنوان "حتى لا تكون فتنة" وكان لتلك الكتابة ظروفها، التي جعلت قائلها يحاول أن يتنصل منها في إحدى المقابلات معه، في جريدة إسلامية، تصدر في أمريكا.
أما أن يحدث اليوم في صحيفة محلية سيارة، وفي مثل هذه الظروف الهادئة نسبياً، أن يستغل منصبه الوظيفي والصحفي، في التشفي من خصومه، فهذا عمل غير شريف، إنه بالتأكيد لن ينشر أي رد، حول هذا الموضوع، يكتب من قبل بعض المخلصين الغيورين، بل إنه اليوم لا يرد حتى على الهاتف، ولا غيره، فأين الشجاعة إذن؟!