أهداف أمريكا في الصومال

إن تحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية، كما يريدون ويرغبون، لا يلزم منه أن تتحول الشعوب كلها إلى شعوب نصرانية، بل يكفيهم أن تكون الحكومات نصرانية، وأن يكون عندهم هيمنة على إفريقيا، وأن يكون هناك نوع من الوصاية، والحماية الغربية على إفريقيا.

فإن هذا يعني في مقاييسهم أن تكون إفريقيا قارة مسيحية، أما وجود مجموعات من القبائل المسلمة، أو شعوب مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً، فإن هذا لا يشكل عندهم خطراً يذكر.

لقد قلت في محاضرةٍ سابقة: إن الخطر لا يتهدد الصومال وحدها، بل يتهدد الجيران كلهم، والقرن الإفريقي، بل ما وراء ذلك، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر.

فقد أعلنت الأمم المتحدة عن إدانة لحقوق الإنسان في السودان، وأنتم تعرفون لماذا يدان السودان؟ لأن الذين وقع عليهم الظلم كما يدعون، هم النصارى في الجنوب، الذين حاربهم المسلمون وانتصروا عليهم، فثارت ثائرة الغرب، ووقف إلى جانبهم وتدخل، وأحد أهدافه دعم النصارى في الجنوب، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

كما إنني ذكرت من قبل قضية اليمن، وقد كنا نسمع عن تصعيد الأوضاع في اليمن، ووجود عدد من ألوان التفجيرات الأمنية، التي نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرها.

في هذا القطر الإسلامي العريض، الذي يوجد فيه اليوم صحوة إسلامية عارمة، ويوجد فيه دعوة إلى الله تعالى، ويوجد فيه علماء مخلصون، ويوجد فيه دعاة غيورون، وتوجد فيه مراكز ونشاطات إسلامية، عمل أعداء الإسلام من العلمانيين وبقايا الشيوعيين على إزالتها، فألغوا المعاهد العلمية التي كانت تخرج طلاب العلم والدعاة والمصلحين، وكانت من مراكز الإشعاع والتعليم، وفرضوا التضييق والحصار على أهل الدعوة، وحاولوا أن يماطلوا ويسوفوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقاموا ببعض الأعمال الإرهابية، ونسبوا إلى المسلمين جرائم هم منها أبرياء.

كل ذلك في محاولة لإغراق هذا البلد في بحر من الدماء، والحيلولة دون أن يحكم هذا البلد العريق بالإسلام، ونحن على وعد من النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية} ويقول عليه الصلاة والسلام: {أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة} .

وفي قوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري وقال: {هم هذا وقومه} أي أن أهل اليمن ممن يعودون إلى الإسلام إذا خرج الناس منه، ويحيونه إذا اندرس، ويعملون بالسنة إذا تركها الناس، ويقومون بالجهاد إذا غفل عنه الغافلون.

فنحن على أمل كبير، وثقة بوعد الله تعالى، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يكفي الله تعالى هذا البلد العريق، شر الأشرار من المنافقين الموجودين في داخله، أو من أعداء الإسلام الذين قد يتناوشونه من الخارج.

إن مما يثير الأسى أن يجتمع الطرفان المتحاربان في الصومال بوساطة أمريكية، وأن يتصافحا بعد سنة من القطيعة والحرب، وأن يصدرا بياناً مشتركاً لإيقاف الحرب، وإزالة الخطوط الفاصلة بينهما.

بل أن يقوموا بدعوة الغرب إلى أن ينزع السلاح من المتحاربين في الصومال كلها، إن هذا يؤكد على دور العلمانيين في بلاد الإسلام، وأنهم دائماً وأبداً ضد مصالح البلاد وضد استقلالها وضد اجتماعها على الخير، فهم بالأمس يتحاربون ويتقاتلون، وكل الأطراف المتحاربة من العلمانيين، ويتقاتلون بدعم من إيطاليا ومن الغرب.

أما اليوم فهم يجتمعون -أيضاً- في ظل وساطة أمريكية، ويوحدون صفهم، ويعطون العدو الخارجي مبرراً ومسوغاً وسنداً للتدخل، حيث يطلبون منه التدخل والبقاء، وأن يقوم بنزع السلاح من المتحاربين.

وإن مما يؤسف أيضاً، أن يجتمع في كينيا أكثر من أربعين ممثل عن جمعيات صومالية، وقبائل وغيرها، وأن يستقبلوا السفير الإسرائيلي هناك، ليلقي عليهم كلمة، ويتحدث عن أن أمن الصومال مرتبط بأمن إسرائيل، وأن إسرائيل لا يتحقق أمنها إلا باستقرار القرن الإفريقي، والقضاء على بوادر الإسلام فيه، وأن أي فئة تدعو إلى الإسلام ولو كانت قليلة العدد، ضعيفة العُدد، ولو كانت في الصومال، فإنها تخيف اليهود والنصارى، وتثير الرعب في قلوبهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015