إخوتي الأحبة! يجب أن نفرق بين العاصي المؤمن، وبين العاصي الفاجر، المؤمن يحزن لمعصيته، ويتحرق قلبه ويتقطع ويتحسر ويندم، وينزل دموعاً لا عداد لها على ذنوب بارز الله بها، وعلى لحظات غفل بها عن ربه، فوقع في معصية أو زلة أو خطيئة، أو نظرة أو حركة أو خطوة، أما الفاجر فإنه يمضي قدماً لا يلوي على شيء، وإنما يقول: زدني زدني؛ لأن هذه المعاصي أصبح يتلذذ بها ولا يحزن عليها، هذا هو الفاجر، والعياذ بالله.
المؤمن يستغفر ويرجو التوبة، وكلما عصى الله عز وجل وضع جبهته في التراب، وقال: يا رب إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، أما الفاجر فإنه لا يستغفر الله من ذنبه ولا من معصيته؛ بل إنه معرض عن الله تعالى، وربما بلغت به الوقاحة إلى أن يغفل عن ربه، أو يهزأ بأوليائه وحزبه.
والمؤمن يتستر في معصيته، فإذا عصى الله عز وجل حاول أن لا يعلم ذلك أحد؛ ليكون الأمر سراً بينه وبين الله، أما الفاجر فإنه يعلن معصيته، ويفخر بها بين الناس، هاأنا قد عصيت ربي، كأنه يتحدى الله تعالى، والله تعالى بالمرصاد لكل من يبارزه بالمعاصي، يفضحه في الدنيا، ويفضحه على رءوس الخلائق يوم القيامة.
المؤمن وإن عصى فإنه يحب الطائعين ويواليهم، ويتمنى أن يكون مثلهم، ويبغض العاصين وإن كانت بضاعتهم واحدة.
أما الفاجر فإنك تجد ولاءه وحبه وقلبه مع أهل المعصية والفساد، فإذا رأى رجلاً عليه علامة الإيمان والصلاح أعرض وأشاح عنه بوجهه، وربما أغمض عينيه، وربما طأطأ رأسه، وربما أطلق بعض الكلمات التي تنم عن كراهيته وتذمره لرؤيته ولمشاهدته، المؤمن لا يتبجح بمعصيته، ولا يعتبر المؤمن أن من المروءة أن يكون ارتكب ما يسخط الله عز وجل.
إن المؤمن لا يسخر بالمطيعين ولا يسخر بالذين يتركون الربا؛ لأنهم لا يعرفون البيع والشراء في زعمه، ولا يسخر من الذين يتركون الزنا؛ لأنه يحسب أنهم ما جربوه، أو أنه ليس في قلوبهم شهوات، كلا.
كلا؛ إنهم في نفوسهم من الشهوات للمال ولغيره، مثل ما في نفسه أو أعظم، لكنهم ألجموا أنفسهم بلجام الخوف من الله عز وجل، فنهوا النفس عن الهوى قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-41] .
هل تحسب يا أخي أن المؤمن لا يوجد في نفسه هوى؟ وهل تظن هذا؟ ومن قال لك هذا؟ بل في نفسه مثل ما في نفسك، بل يمكن أشد، ولكنه مع ذلك نهى النفس عن الهوى؛ لأن عنده شيئاً اسمه: الآخرة، يستعدون له ويضعونه في الحسبان، فإن الجنة هي المأوى.
هل يمنعك -يا أخي الكريم- زملاؤك الذين تصحبهم من الخير والاستقامة؟ إن كان زملاؤك كذلك فلا خير فيهم، فإن كل شيء حال بينك وبين الله عز وجل فهو شر يجب أن تبتعد عنه.
فإن كانوا لا يحولون بينك وبين الطاعة، فحبذا وحيَّهلا، وعليك أن تعمل على جرهم إلى أماكن الخير والطاعة وإلى مناسبات الاستقامة بقدر ما تستطيع، عسى الله أن يكتب لك أجر استقامتهم.