أخي الحبيب! هل تريد أن تكون مجاهراً بمعصيتك، حين تركت صحبة الطيبين، وقلت: لا أريد أن أكون من المنافقين؟ هل تريد أن تعلن معصيتك وتجاهر بها، حتى يتكلم الناس عنك: فلان بن فلان عنده من المعاصي كذا وكذا؟ هذا لا يصلح أخي الحبيب، كون أن عندك معصية تستتر بها بينك وبين رب العالمين، فهي سر تسأل الله: يا رب سرٌّ بيني وبينك، أسألك لا تفضحني في الأرض ولا يوم العرض هذا شيء، وكونك تعلن المعصية على الملأ وتتبجح بها، هذا شيء آخر.
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} أي: المعلنون للمعاصي.
من هم المجاهرون؟ كونك -مثلاً- تشغل المسجل على صوت أغنية يسمعها الناس من مسافة مائة متر أو أكثر، وتمر وتمشي بسيارتك بهدوء، تستعرض وكأنك تريد أن تلفت إليك الأنظار، هذه مجاهرة؛ لأنك تقول للناس اسمعوا، أنا الآن أستمع إلى أغنية وإن كان الله تعالى قد حرمها؛ فهذا من المجاهرين.
ومن المجاهرة أن الإنسان يفتخر بالمعصية أمام زملائه أحياناً، فإذا اجتمع بعض الشباب يبدأ بعضهم ممن ليس عنده دين، يجاهر بأنه فعل كذا، وفعل كذا، ويذكر مغامرات وجرائم وذنوب فعلها، وكيف أنه أوقع امرأة في الحرام، وكيف شرب وسافر وسكر، ويبدأ يسرد قائمة من المعاصي، هذا لا يغفر له إلا أن يتوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم عليه أنه لا يعافى؛ لأن هذا الإنسان لو كان يعلم أن هذا الأمر يسخط الله عز وجل ويدري أن الله عز وجل يسمعه الآن، ما أقدم على ما أقدم عليه، ولجعل الأمر سراً بينه وبين الله عز وجل.
وأخبث وأعظم من ذلك، أن بعضهم إذا سمع زملاءه يقولون هكذا، فإنه ربما افتعل واختلق شيئاًلم يحدث وبدأ يجاريهم فيما يقولون، فقال: إن لي علاقات محرمة، وأنا لي صديقات وأنا فعلت، وبدأ يسرد قصصاً مكذوبة عن بعض المعاصي التي لم تقع، وهذا والعياذ بالله لاشك أنه ليس أعظم إثماً ممن فعلها وجاهر بها، لكن إثمه أيضاً عظيم، وبعضهم يتعدى به المجاهرة إلى أن يسجل المعصية على شريط، كما فعل بعض المغنين ولا كرامة لهم؛ لأنهم مرتدون بفعلهم هذا، فعندما يسجل أغنية، كيف أنه غرر بفتاة وجرها إلى المنزل، وارتكب معها الفاحشة، ويذكر تفاصيل كثيرة، ويجعل هذا في شريط يسمع عند بعض السفهاء، وبعض الفساق، فإن هذه ردة عن الإسلام، وهذا مخلد والعياذ بالله في نار جهنم إلا أن يتوب، لماذا؟ لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] .