القضية الثانية: أنه يجب على إخواننا التائبين -ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً تائبين- تحقيق معنى الاستقامة، والحذر من خطرين كلاهما مهلك وكلاهما يهدد كل واحد من هؤلاء القوم، وأرجو الانتباه لهذين الخطرين: الخطر الأول: هو التشدد والغلو في الدين كردة فعل للانحراف والبعد عنه، والعلماء يقررون أن كل فعل له ردة فعل مساوية في القوة ومعاكسة في الاتجاه، فمثلاً: لو كان عندك كرة فضربتها برجلك بقوة، فاصطدمت في الجدار ارتدت بقدر القوة التي ذهبت بها، وهكذا بقدر مبالغة الإنسان في الفساد في السابق قد - وهنا أضع خط تحت كلمة قد، لأن الأمر للاحتمال لا للتوكيد وإنما هو خطر أنبه إليه وأحذر منه- يدعو هذا الحال التي كان يعيشها الإنسان والإنسان إلى الغلو والتشدد كما ذكرت، ويتبعه إلى الزيادة والإفراط لمحاولة التكفير عن الماضي، فينتقل الإنسان من طرف إلى طرف.
ومن الحلول التي أطرحها في هذا المجال: أولاً: البحث عن الرفقة الصالحين المعتدلين المجانبين لمذهب التشدد في الدين بما لم يأذن به الله، ولذلك روى الإمام اللالكائي في كتابه شرح أصول أعتقاد أهل السنة والإمام ابن بطة في كتاب الإبانة عن عبد الله بن شوذب رحمه الله أنه قال: [[إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يؤاخي صاحب سُنة يحمله عليها]] إذا نسك يعني: تعبد واتجه للخير-.
ومفهوم هذه الكلمة: أن من شقوة هذا الإنسان أن يؤاخي صاحب هوى يحمله على هذا الهوى، فيكون الأمر كما قال الشاعر: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا الأمر الثاني: أن يتفقه الإنسان في دينه، والتفقه في الدين يكون بمعرفة القرآن والسُنة وأقوال العلماء المحققين من اللاحقين أو السابقين، ويستعين الإنسان على ذلك بكتبهم وأشرطتهم وغيرها من الوسائل الممكنة في تحصيل العلم ومعرفته، ولذلك أيضاً أنقل لكم قول أحد التابعين وهو الإمام أيوب السختياني رحمه الله، وهو يماثل أو يقارب قول عبد الله بن شوذب من قبل، يقول أيوب السختياني: [[إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله تعالى بعالم من أهل السنة]] والحدث هو: الشاب.
وذلك لأن الشباب إذا لم يلتفوا حول العلماء العالمين الملتزمين بالنصوص الشرعية، تفرقت بهم السبل ذات اليمين وذات الشمال، فعلينا إذن أن نوجه هؤلاء إلى الالتفاف حول العلماء وطلاب العلم والدعاة الملتزمين بالنصوص، وأؤكد على هذه القضية (الملتزمين بالنصوص) .
أما الهوى فكل إنسان يختلج في نفسه الهوى كائناً من كان، ولا يقاوم الهوى إلا التمسك بالنص الشرعي، وأهواء الناس تختلف، فقد تجد من هواه أن يشدد على الناس ويميل إلى كلمة محرم أكثر مما يميل إلى كلمة مباح.
وهذا النوع من الناس موجود، فليحذر الإنسان أن يميل مع الهوى، والضابط في ذلك هو: أن يلتزم الإنسان بالنصوص الشرعية قرآناً وسُنة، وما يوضحها ويجليها من أقوال العلماء المحققين السابقين واللاحقين.