عدم القنوط من رحمة الله

القضية الأولى التي من المهم أن نشير إليها ونتحدث عنها هي: أن التائب إلى الله عز وجل يحتفظ في ماضيه في الغالب، بسجل أسود من المعاصي والخطايا كان يفعلها غير آبهٍ ولا مبالٍ، وسبحان مقلب القلوب وسبحان من جعل هذا القلب ملكاً للأعضاء! هذا الإنسان الذي كان بالأمس يقدم على المعصية غير هيابٍ ولا وجل، أصبح -اليوم- ذكر المعصية يقلقه ويؤرقه ويزعجه، وقد يصل الحال به إلى أن يقنط من رحمة الله تعالى وييأس، وهذا مدخل من مداخل الشيطان على التائبين، وهو أن يجعل ذنوبهم وخطاياهم أمامهم؛ فيغلق بذلك باب التوبة والقبول لدى الله تبارك وتعالى أمامهم، وهذا من جانب أمر موجود في كل مؤمن.

ولذلك صح عن ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيح أنه قال رضي الله عنه وأرضاه: [[إن المنافق يرى ذنوبه كذباب طار على وجهه، فقال به هكذا، وإن المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يوشك أن يقع عليه]] وقد يتعمق وينمو هذا الشعور حتى يتحول -كما قلت- إلى يأس وقنوط، قال تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] ولذلك كيف نعالج هذا الأمر؟ أولاً: نعالجه بالنصوص التي تفتح الأمل أمام التائبين، وبالذات أضرب لها مثالاً واحداً، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي أيوب يقول صلى الله عليه وسلم: {لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم} والحديث ورد في العديد من كتب السنة عن العديد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد يقول قائل: سبحان الله! كيف يُحرِّم اللهُ الذنوب ثم يقول لنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث؟! فأقول: هذا الحديث هو علاج وبلسم يوضع في موضعه الصحيح، فتعالج به جراح التائبين النادمين المقلعين، الذين أقلقتهم ذنوبهم حتى كادت أن تودي بهم في مهاوي القنوط واليأس من رحمة الله، وهذا هو العلاج الأول.

العلاج الثاني: هو أن نفتح أمامهم باب التعويض، بحيث يُكَفِّرُ الواحد منهم عن كل ذنب عمله بعمل صالح يحدثه، يزكي به قلبه ويُصدِّقُ به توبته، فهذه هي القضية الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015