أخي الكريم! هذا حب في الله عز وجل، فهل ذقت طعم المحبة في الله تعالى، إنها محبة في الله ليست محبةً في الفريق، فلم تحب فلاناً لأنه يشجع النادي الذي تشجعه، وليست محبة من أجل المال، فلست تحبه لأنك تستفيد منه مالاً، وليست محبة في الشكل، تحب فلاناً لحسن شكله وحسن هيئته وجمال خلقته، لا.
وليست محبة الهوى التي يتبعها الذل، فإن محبة الهوى ذل في الوجه، وذل في الحياة، وذل بعد الممات.
مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها غبار الذل بين المقابر إن المحبة في الله طعم آخر غير ذلك كله، إنها طعم لا يمكن وصفه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار} .
أخي، هل اقتربت من الطيبين؟ هل نظرت في وجوههم المشرقة بنور الإيمان؟ هل سمعت لذيذ كلامهم وحلاوة حديثهم وبرد أنفاسهم؟ عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه قال: {دخلت مسجد دمشق فإذا فيها فتىً براق الثنايا، وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه فيه، قال: فوقع حبه في قلبي، فسألت عنه فقيل لي: هذا معاذ بن جبل، هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما كان من الغد بكرت فوجدته قد سبقني في التبكير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته أتيته من قبل وجهه، فجلست بين يديه، وقلت له: والله إني لأحبك في الله.
فنظر إليّّ، وقال: آلله -تحلف بالله- قلت: آلله.
قال: آلله قلت: آلله.
قال: فأخذ بحبوتي فجذبني إليه -جرني إليه- فقال لي: أبشر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: {وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيَّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيَّ} .
أخي الحبيب أخي المسلم هل تريد في دنياك شيئاً أعظم من أن الله تعالى يحبك؟ من أحبه الله تعالى، فماذا يضره أن يبغضه الناس كلهم لو أبغضوه؟ مع أنه تعالى إذا أحب شخصاً كتب له الحب بين الناس، إذا أحب شخصاً نادى في السماء إني أحب فلاناً فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض، ينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلاناً فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض فيحبه الناس المؤمنون كلهم أجمعون.
هل تريد شيئاً أكثر من أن يحبك الله عز وجل فيجعل كل طرائقك وكل مسالك خطاك مآلها إلى النجاح؟ إن هذا غاية ما يتمناه كل إنسان، وطريقه سهل يسير، هو: أن يخفق قلبك بمحبة المؤمنين.
فهل جربت هذا؟ هل تحرك قلبك بحب أصحاب الوجوه النيرة؟ هل خفق قلبك بحب أصحاب النوافل؟ هل خفق قلبك بحب أهل الصيام والقيام؟ هل خفق قلبك بحب أهل العلم والدعوة والجهاد؟ هل خفق قلبك بحب أهل الصدقة والبذل والإنفاق في سبيل الله؟ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن من الناس أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بمكانهم من الله عز وجل، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم قوم تحابوا في ذات الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:62-64] } .
هذه المحبة الإيمانية الأخوية، هي أدوم شيء في هذه الدنيا، فإن المتحابين في الله لا يتفرقون أبداً، لقد خفقت قلوب المؤمنين بحب بعضهم بعضاً منذ عشرات السنين، وما زال هذا الحب لا تزيده الأيام والليالي إلا ثباتاً ورسوخاً ومضاءً، وأحلف لكم بالله -أيها الأحبة- إنني أرى بعض الشباب الطيبين منذ سنين طويلة، وبينهم من الألفة والود والتراحم والتحاب والصداقة، أشد مما بين الأخ الشقيق مع أخيه، فكنت أقول في نفسي: ربما تكون هذه عاطفة مؤقتة وتزول، ولكني وجدت الأيام لا تزيدها إلا ثباتاً ورسوخاً وعمقاً، فهم منذ سنين طويلة على غاية من الحب فيما بينهم والتواصل والتراحم لم يجد الشيطان سبيلاً إلى فصم عرى هذه المحبة، فهي محبة باقية، بخلاف المحبة في غير الله، كالمحبة في الفريق -مثلاً- أو المحبة في المال، أو المحبة على معصية، فما أسرع ما تزول، يقال: من أحبك على شيء أبغضك على فقده، فكم من تاجر افتقر تفرق عنه أصحابه وأحبابه، وكم من رئيس أو مسئول لما أُعفي من منصبه، أو ابتعد عنه أو تقاعد؛ تركه الناس وأعرضوا عنه، وكم من إنسان كان يتمتع بشيء فلما زال وذهب عنه هذا الشيء؛ أعرض عنه الناس؟! حتى ربما يرونه في الشارع فلا يسلمون عليه! فهل تريد يا أخي الحبيب شيئاً أدوم وأثقل وأثبت من المحبة في الله تعالى؟ ما كان لله دام واتصل، بل إن هذه المحبة تدوم حتى بعد الموت، ألم تر إلى الطيبين، إذا ذُكر بعض أحبابهم الذين ذهبوا إلى قبورهم، دمعت أعينهم، وقالوا: رحمة الله على فلان، ووالله إننا نتلذذ بأن نردد أسماء بعض أحبابنا وأصحابنا الذين لقيناهم يوماً من الدهر، ثم سبقونا إلى الدار الآخرة، فكلما ذكرناهم ترحمنا عليهم، قلنا رحمة الله عليهم، وكلما عرف الطيبون والصالحون أن صديقهم فلاناً له أولاد بعد وفاته، أو زوجة أو أم أو قريب، أو عليه دين؛ سارعوا في سداد دينه، أو إعانة ورثته أو ما أشبه ذلك.
فالمحبة باقية بعد الموت، بل وباقية في الدار الآخرة، قال الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] أما غير المتقين فالمودة بينهم في الحياة الدنيا فقط، أما يوم القيامة فكما قال الله عز وجل: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت:25] .
فاختر يا أخي الحبيب، لنفسك أي الطريقين شئت! وأنا واثق كل الثقة أنك لن تختار لنفسك طريقاً تدري أن فيها العطب في الدنيا والآخرة، فإن العاقل لا يختار لنفسه إلا أسلم الطرق وأحسنها.