أخي الشاب! "أنت مع من أحببت" ولعلي لا آتي بجديد إذا قلت: إن كل امرئ محاسب عن نفسه، حتى الأب لا يجزي عن ولده، والزوج لا يجزي عن زوجه والولد لا يغني عن والده شيئاً، مع كل هذا فإني أضع بين يديك هذا السؤال لماذا يحرص الشباب الملتزمون على هداية الناس؟ لماذا يحرصون على ذلك؟ ولماذا يتكدر هؤلاء إذا سمعوا الأخبار السيئة عن انحراف بعض الناس؟ بل لماذا يشتدون أحياناً ويغضبون إذا سمعوا أو رأوا ما يسخط الله عز وجل؟ هل تعتقد -أخي الحبيب- أن هناك سبباً آخر غير محبتهم الخير لك؟ كلا، إنهم لا يضيرهم أبداً أن ينحرف من ينحرف، ويضل من ضل، ويهلك من هلك: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93-95] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] .
إذاً: لا يضرهم أن يهتدي الناس أو يضلوا، يستقيموا أو ينحرفوا يصلحوا، أو يفسدوا, لكن الله عز وجل جعل في قلوبهم رحمة، فإذا رأوا الفاسق والعاصي حزنوا لذلك وابتأسوا حتى كأنهم سوف يعذبون بمعصيته وإثمه فيحرصون من ثَمَّ على هدايته وجلب الخير له.
إنها محبتهم للخير للأمة، وحرصهم على هداية الناس، وكراهيتهم أن يروك وأنت تعذب في النار.
أحبابنا كم كان سرورنا بالغاً- ولعله يشاطرني السرور كل من علموا بهذه النتيجة- أنه خلال استفتاء أشرت إليه سابقاً وأجري مع مجموعة تربو على مائتين من شباب الأرصفة، من الشباب الذين يقيمون في الأرصفة، أو يجلسون في جنبات الطريق بارك الله فيهم وهدانا الله تعالى وإياهم إلى سواء السبيل، ونفع الأمة بنا وبهم، كم كان السرور بالغاًُ حين نعلم جميعاً أن (70%) من هؤلاء الشباب أعلنوها صراحة أنهم يحبون الشباب المتدينين، جملةً وتفصيلاً، وأن (10%) يحبون بعض الشباب المتدينين، وأن (10%) هم الذين لا يحبون المتدينين، لسبب أو لآخر.
إذاً: (80%) يحبون الشباب المتدينين، وحين سئل كثير من هؤلاء الشباب: هل تحب أن تكون شاباً متديناً؟ قد تتعجبون إذا علمتم أن أكثر من (99%) منهم قالوا: نعم، نحب أن نكون شباباً متدينين، (99.
5%) يرغبون أن يكونوا شباباً متدينين، وهذه إحصائية دقيقة، وليست كإحصائيات الانتخابات في بعض البلاد التي تخرج بنسبة (99.
999%) بالموافقة.
هذه إحصائية مكتوبة على الورق أن (99.
5%) من الشباب، يتمنون أن يصبحوا شباباً متدينين، لماذا؟ لأنهم يريدون رضوان الله والجنة، وبعضهم قال: ويريد الراحة في الدنيا.
عن أنس رضي الله عنه: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة، ولا صيام، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت} رواه البخاري وغيره.
وأيضاً عن ابن مسعود وأبي موسى: {أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري -: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم -يعني: يحبهم، ولكنه لم يعمل مثل عملهم- فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب} وقائل: هل عملٌ صالح أعددته ينفع عند الكرب فقلت حسبي سنة المصطفى وحبه فالمرء مع من أحب أيها الإخوة: إنك حين ترى كثيراً من هؤلاء الشباب، تعلم أنهم يحبون الطيبين من خلال عيونهم ونظراتهم ووجوههم، فإن الوجه يعبر عما وراءه: والنفس تعرف في عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها عيناك قد دلتا عينيَّ منك على أشياء لولاهما ما كنت أدريها وأحياناً لغة العيون تدل على ما في الضمائر والقلوب.
فيا أخي الشاب الحبيب، أولاً: أبشر بالخير الآجل والعاجل، فإن قدمك قد وضعت في الطريق الصحيح حيث جعلت ولاءك لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وأعلنت إعلاناً صريحاً أنك تحب الشباب الملتزمين المتدينين، ولا تعدل بهم أحداً، لا فناناً ولا مطرباًُ ولا لاعباً ولا تاجراً ولا أميراً ولا وزيراً.