ويصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الذي رواه مسلم - الذين يكثرون من الحديث عن الأحوال السيئة، والانحرافات الفكرية والخلقية في المجتمع، ويرددون هذه الأشياء بمناسبة وبغير مناسبة، بأنهم من أهلك المسلمين، فيقول: {من قال: هلك الناس فهو أهلكهم} .
ويقول أبو إسحاق صاحب مسلم لا أدري هل الرواية بالرفع أم بالنصب، يعني: أن الرواية لهذا الحديث تحتمل وجهين:- الوجه الأول: {من قال: هلك الناس فهو أهلكَهم} بفتح الكاف، فيكون فعلاً ماضياً، ويكون معنى الحديث على هذه الرواية أن من قال: هلك الناس، وأكثر من الحديث عن الانحراف الواقع في المجتمع، فهو الذي تسبب في هلاك المسلمين.
ولماذا تسبب في هلاك المسلمين؟ لأنه أشاع في نفوس المسلمين اليأس من الإصلاح، وأشاع في أنفسهم التهاون بالفاحشة والجريمة، وأشاع في نفوسهم اليأس من رحمة الله تبارك وتعالى ومغفرته، وهذه كلها من أعظم أسباب وألوان الفساد.
الوجه الثاني: {من قال: هلك المسلمون فهو أهلكُهم} بضم الكاف، ويكون معنى الحديث على هذه الرواية أنه أكثرهم هلاكاً، فتكون أهلكهم هنا صيغة تفضيل، ويكون معنى الحديث: إن المكثر من الحديث عن الفساد بمناسبة أو بغير مناسبة هو أكثر المسلمين هلاكاً وأشدهم فساداً، ووجه فساده وهلاكه في هذه الحالة في الغالب: أولاً: أنه مصاب بالعجب بنفسه، أو الاغترار بعمله.
وثانياً: أنه مصاب باستصغار الناس واحتقار شأنهم، إضافة إلى معنى ألمحُهُ في هذه الرواية، وهو أن المكثر من ترداد الفساد وذكر صوره، إنما ينطلق في الغالب من قلب مريض بالشك وبالشهوة، فلذلك تجد أن جميع الصور التي في الواقع تنعكس على هذا القلب الذي هو كالمرآة الصدئة، فكل صورة لا تظهر فيها إلا مشوهة أو مشوشة، حتى لو كانت الصورة في الأصل واضحة أو سليمة، فإنها تظهر في هذه المرآة الصدئة مشوهة أو مشوشة.