رابعاً: التوحيد صلة للعبد الضعيف المحتاج الفاني بالحي الواحد القادر، الذي بيده العطاء والمنع، والضر والنفع، ولهذا تكثر الإشارة في القرآن الكريم إلى هذا {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فالطبيب ليس إلا سبباً عادياً مادياً للشفاء، أما العافية الحقيقية فمن الله، والطبيب نفسه ما خلق المرض حتى يزيله، وإنما الذي خلق المرض وخلق الجرثومة هو الله تعالى، ولا يقدر على ذلك إلا الذي خلقه.
والتجارة ليست إلا سبباً لتحصيل المال، وإنما الخزائن بيد الله تعالى، فكم من تاجر افتقر.
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يغيض والمرض ليس إلا سبباً للموت، وإلا فكم من إنسان تعرض للموت بأشد الأسباب، فخاض المعارك ووقعت عليه الحوادث ونجا منها، ثم مات في فراشه، فلتمنع الملوك من الموت حراساتهم وقصورهم، ولتحمِ التجار من الموت أرصدتهم وأرقامهم، وبنوكهم ومؤسساتهم.
لابد للإنسان من ضجعةٍِ لا تقلب المضجَع عن جنبه ينسى بها ما كان من عجبه وما أذاق الموت من كَربِه نحن بنو الموتى فما بالنا نعافُ ما لابد من شربه تبخل أيدينا بأرواحنا على زمانٍ هن من كسبه لو فكر العاشق في منتهى حسنِ الذي يسبيه لم يسبه لم يُرَ قرن الشمس في شرقه فشكت الأنفس في غربه ما رأى أحد الشمس في المشرق فشك أنها سوف تغرب.
يموت راعي الضأن في جهله موتة جالينوس في طبه وربما زاد على عمره أو زاد في الأمن على سربه نعم، يموت الراعي كما مات جالينوس الطبيب، وربما كان الراعي أطول عمراً من جالينوس، أو أكثر أمناً منه.
والسلاح ليس إلا أداة للنصر والغلبة، وكم من قوم ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، فلم تغن عنهم قوتهم شيئاً، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم ولوا مدبرين، فالأسباب كلها عقيمة إذا لم يبارك فيها الواحد الأحد الصمد، والبحث عن مرضاة الله تعالى هو أعظم الأسباب، والجد في طاعته وعبادته هو أولها وأولاها، والبراءة إليه هو أنجعها وأنفعها.
فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان