سادساً: إن التوحيد هو الخير الذي لا شر فيه بوجه من الوجوه، والحق الذي لا باطل معه، والنفع الذي لا ضرر فيه، فإن محبة الله تعالى خير كلها، وكلما زادت المحبة زاد الإيمان، وزاد العلم، وارتفعت منزلة العبد في الدنيا وفي الآخرة، فلا يقال أبداً في حق أحد إنه زاد في محبة الله عن القدر المطلوب أبداً، بل هذا القدر من الحب ليس له حدٌ محدود، كلما زاد حبك لله كان ذلك أعظم وأفضل، أما محبة المخلوق فلا بد أن ينالها سأم أو ملل أو مفارقة، ومن أحب شيئاً لغير الله فلابد أن يضره ذلك الشيء وربما كان سبباً في عذابه كما قال بعضهم: من أحب شيئا لغير الله عذب به.
ولهذا ذكر الله تعالى الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله حباً لها، فذكر أنهم يعذبون بها في الدار الآخرة {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزُونَ} [التوبة:35] .
ومثله الخوف أيضاً، وهو من العبادة والتوحيد لله تعالى، فالخوف من الله تعالى هو القوة وهو الإيمان، وهو الصدق، وهو ثبات القلب، واستقراره وطمأنينته، ولذلك يقول المؤمنون وهم في الجنة: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} الطور:26] خائفين وجلين {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] أما الخوف من المخلوقين فهو مذلة ونزول في الرتبة، وضعفٌ في القلب، وانحطاطٌ في الدرجة، وربما أدى إلى الضعة والهوان، بخلاف الخوف من الله فإنه كلما زاد كان أحسن، فيمدح العبد بشدة خوفه من ربه جل وعلا، كما مدح بذلك جبريل، وكان كأنه حلسٌ لاطٍ من مخافة الله عز وجل، وكما مدح بذلك الملائكة كلهم قال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50] {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28] وكما مدح بذلك الرسل والأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] .
ومثله الرجاء أيضاً، فإن رجاء المخلوق ولو كان عظيماً، تاجراً أو سلطاناً أو كبيراً أو رئيساً، إن رجاء المخلوقين تعلق بما لا طائل وراءه، ولا نفع فيه، وهو ربما أراد نفعك فضرك، وربما أراد أن يدنيك فأبعدك، وربما أراد أن يفيدك فآذاك، وربما حاول فعجَز، أما الرجاء في رب العالمين فهو رجاء بالقدير الذي لا يعجزه شيء، والكريم الذي لا يخيب سائله، والحكيم العليم بعباده وما ينفعهم وما يصلحهم وما يحتاجون إليه.