العناية بالرسوم وإهمال المعاني

إن من سنن أهل الكتاب السابقين العناية بالرسوم، وإهمال المعاني والحقائق، فقد كان من شأنهم مثلاً: بناء المساجد على قبور الأنبياء تعظيماً لهم، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا ينسبون إلى الأنبياء كثيراً من النقائص والآثام، ويخالفون هديهم في كثير من الأمور حتى بناء المساجد على قبورهم، كان مما نهاهم عنه الأنبياء فأبوا وأصروا {وقَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:21] .

إن الأنبياء لا يأتون بمثل ذلك أبداً، وهذه الأمة تعاني من هذا ما يطول منه العجب! فمثلاً: عناية الأمة بالرسوم وإهمالها للحقائق والمعاني كثير، فالقرآن نزل ليقرأ ويُفهم، ويعمل به، ويحكّم في واقع الحياة الفردية والجماعية، فماذا صنع المسلمون؟ أعرضوا عن قراءته، وعن فهمه، وعن تحكيمه، وعن التحاكم إليه، وذهبوا يطبعونه على ورق، ويذهِّبونه بأغلى الأثمان، ويقبلونه، ويضعونه على جباههم، ويضعونه على موتاهم، ثم لا شيء بعد ذلك.

والكعبة {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ} [المائدة:97] هذه الكعبة جعلها الله تعالى أمناً وقياماً للناس يصلى إليها، ويطاف بها، ويتوجه إليها المؤمنون في عباداتهم ودعائهم وما سوى ذلك.

فماذا صنع المسلمون؟ أعرض الكثير منهم عن ذلك، وذهبوا يحافظون على الرسوم، لا تستدبر الكعبة وأنت ماش؛ بل امشِ على وراءك لئلا تستدبرها، لا تمد الرجل إليها وأنت قاعد، والتمسح بها وبكل جوانبها، بل وبخرقها، وبالماء النازل من ميزابها، أما الصلاة والطواف والدعاء وتعظيم حرمات الله عز وجل فالكثير عن ذلك بمعزل، والمساجد عموماً غير الكعبة أصبحت تبنى وتشَّيد وترفع مآذنها، وربما وضعت فيها ألوان من الأشكال والرسوم والصور، ولكن أين الصلاة فيها؟! أين رفع الأذان؟ أين البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟! مآذنكم علت في كل حيِّ ومسجدكم من العباد خالي حتى البلاد التي فتحت ذراعيها للمسلمين اليوم في آسيا الوسطى وغيرها، وفى ألبانيا، البلاد التي كانت شيوعية ذهب المسلمون من الأثرياء ومن الدعاة يتنافسون في بناء المساجد ووضع القباب عليها وتشييدها، لكن لم يهتموا بإيجاد الدعاة، وإيجاد الأئمة، وإيجاد الخطباء، وإيجاد المصلين، فاعتنوا بالمسجد وغفلوا عن الإنسان المصلي.

والرسول صلى الله عليه وسلم، تجد كل المسلمين حتى العصاة، حتى الفجار، تصيبهم الحميّة له عليه الصلاة والسلام، ومما أذكر في القصص أنني قرأت في كتاب الطريق إلى المدينة لـ أبي الحسن الندوي، أن شاعراً هندياً كان سِكِّيراً لا يكاد يصحو أبداً، فجلس مع شاب عربي في أحد المطاعم أو المقاهي، يتعاطون الخمر، ويتكلمون فيما حرم الله عز وجل، حتى نزل هذا الشاب العربي، وكان شيوعياً، فتكلم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونال منه عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي، فغضب ذاك الشاعر الهندي وكان ثملاً، فقام إلى ذلك الشاب العربي وضربه بيده ورجله ونعله حتى ظل طريحاً في غيبوبة أياماً، وهو يقول له: كل شيء فعلناه، ولم يبق لنا إلا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأنت أيها العربي! الذي تنتسب إلى نفس الجنس الذي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] تأتي إلى بلاد الهند، إلى بلاد العجم، لتنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم! فكل المسلمين حتى المسرفين والمقصرين والخطاة والجناة يغارون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتصيبهم الحمية له، وأكثرهم يقيمون الموالد والاحتفالات والمناسبات التي تتلى فيها السير بما صح وما لم يصح، وتتناشد فيها الأشعار في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وجماله وكماله وغير ذلك، بل وفى بعض البلاد تصدع الأغاني المختلطة بالموسيقى وتختلط الرجال بالنساء كما يفعل النصارى فيما يسمونه بعيد (الكريسمس) !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015