هذا أحدهم يعبر عن محبته لرجل من الناس فانظر كيف خلع عليه -لا أقول أوصاف الأولياء- وهو ولي فعلاً، لأنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا أقول خلع عليه أوصاف النبوة، بل خلع عليه أوصاف الإلهية! لقد سمعت يوماً من الأيام شاعراً لبنانياً معاصراً، رافضياً، يخاطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب في قلوبنا، والله إننا نحبه أشد الحب، وأكرمه وأزكاه، الحب اللائق به، فهو رابع أربعة من الخلفاء الراشدين، والمبشرين بالجنة، وأحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحبه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحبه لبلائه وجهاده، ونحبه لسابقته، لكن يظل علي بن أبي طالب بشراً من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس نبياً مرسلاً، ولا إلهاً معبوداً، لقد سمعت شاعراً لبنانياً يخاطبه ويقول: أبا حسن أنت عين الإله وعنوان قدرته السامية وأنت المحيط بعلم الغيوب فهل عنك تعزب من خافية لك الأمر إن شئت تنجي غداً وإن شئت تسفع بالناصية فاندهشت لذلك وقلت سبحان الله! كيف يوجد إنسان قرأ ولو شيئاً من القرآن، وسمع ولو شيئاً من الحديث، أو حافظ على نقاء فطرته فقط، كيف يعطي بشراً مثل ذلك؟! فإذا بي أفاجأ بهذه الورقة توزع في بعض مدارسنا، وفى بعض مؤسساتنا، وفى بعض دوائرنا الحكومية، وفيها الشرك الأكبر البواح الصراح! أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قصيدة لمن يسمي نفسه الشيخ علي بن سليمان المزيدي في مدح الإمام حيدر عليه السلام: أبا حسن أنت زوج البتول وجنب الإله ونفس الرسول وبدر الكمال وشمس العقول ومملوك ربٍ وأنت الملك لا حول ولا قوة إلا بالله! قال في المقدمة:" أنت مملوك" وذكرني بالمشركين الأولين الذين كانوا يقولون في التلبية: "لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك"، فقالوا: لا شريك لك إلا شريكاً واحداً، ثم جعلوا لهذا الشريك الذي هو اللات والعزى كل شيء، ولم يجعلوا لله تعالى شيئاً قط، يقول: ومملوك رب وأنت الملك.
دعاك النبي بيوم الغدير ونص عليك بأمر القدير بأنك للمؤمنين الأمير وعقد ولايته قلدك إليك تصير جميع الأمور وأنت العليم بذات الصدور وأنت المبعثر ما في القبور وحكم القيامة بالنص لك ماذا بقي لرب العالمين؟! وأنت السميع وأنت البصير وأنت على كل شيء قدير ولولاك ما كان نجمٌ يسير ولا دار لولا ولاك الفلك وأنت بكل البرايا عليم وأنت المكلم أهل الرقيم ولولاك ما كان موسى الكليم كليماً فسبحان من كونك سرى سر اسمك في العالمين فحبك كالشمس فوق الجبين فمن ذاك كان ومن ذا يكون وما الأنبياء وما المرسلون وما القلم اللوح ما العالمون وكلٌ عبيدٌ مماليك لك أي شرك وكفر وردة وجراءة أعظم من هذا؟ الأنبياء والمرسلون والقلم واللوح والعالمون كلهم عبيد مماليك له!! أبا حسن يا مدير الوجود وكهف الطريد ومأوي الوفود ومسقي مجيبك يوم الورود ومنكر في البعث من أنكرك ولاؤك لي في ضريحي منار واسمك لي في المضيق الشعار وحبك مدخلني جنتك فالجنة والنار أصبحت له في نظر هذا المرتد، الكافر الكبير! يقول: المزيدي علي -هذا اسمه- بك المزيدي علي ٌّ دخيل إذا جاء أمر الإله الجليل ونادى المنادي الرحيل الرحيل وحاشاك تترك من لاذ بك {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:2-7] .
والله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، ما كان يدور في خلدي أن يصل الجهل والكفر والجراءة بإنسانٍ ينتسب إلى الإسلام، ولو نسبة ضعيفة، أن يقول مثل هذا الكلام، خاصة في مثل هذا الوقت الذي أصبح الناس فيه، متصلٌ بعضهم ببعض ويجامل بعضهم بعضاً، ويستحي بعضهم من بعض، فحتى صاحب الفكر الدخيل والكفر، ربما يداري أو يواري أو يتقي، أما أن يعلن ذلك ويصرحه ويبوح به، فهذا والعياذ بالله أمر عجيب! إن مثل هذا الكلام لم يمدحوا به رب العالمين جل وعلا، وأقسم بالله على ذلك، ولو قرأت الكتب الضخمة الكبيرة لن تجد قصيدة يُمدح فيها الله جل جلاله بمثل هذه البلاغة، ومثل هذه الألفاظ، كما مدح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو يمدح فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بمثل ما مدح علي بن أبي طالب رضي الله عنه: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام:136] .