Q ما هو تفسير كلمتين إحداهما مشهورة وهي قول أبي حامد، أو يزيد بن هارون كما يقول السائل تعلمنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، والكلمة الثانية ما ينقلها عن ابن الجوزي وهذه الكلمة هي: "وأما ما في العلم من حب الرياسة فإنما أوجد لحكمة كما أوجد النكاح لحكمة الولد"؟
صلى الله عليه وسلم أما الكلمة الأولى وهي كلمة "تعلمنا العلم لغير الله، فأبى إلا أن يكون العلم لله" فهذه نقلت عن جمع من السلف، وذكرها عنهم الذهبي في السير وغيره، ومقصودهم فيها -والله أعلم- أن الطالب في بداية الطلب قد لا يكون قصده ظاهراً ولا نيته خالصة، خاصة وأنهم كانوا يتعلمون العلم على صغر أعمارهم، ربما بدأ الواحد منهم في طلب العلم في صغر سنه، وقبل أن يتميز له قصد ونية، وقبل أن يشعر بأهمية الإخلاص، فلما كبر وحصل العلم ورأى العلم بين يديه دعاه هذا إلى الإخلاص وأن يكون العلم لله، دعاه من عدة جوانب: أولاً: أن الاشتغال بالعلم وقال الله وقال رسوله يرقق القلوب ويقربها إلى الله تعالى، فتكون قابلة للخير والإخلاص.
ثانياً: أن طالب العلم يسمع الوعيد على من قصد الدنيا بعلمه، فيورثه هذا كراهية هذا الأمر ومجاهدة النفس عليه حتى ينجو منه، ومن المزالق التي يقع فيها بعض الطلاب في هذا الباب أنه إذا خشي من سوء القصد والنية ترك طلب العلم، وهذا مدخل ربما يجعل الإنسان يترك حتى أمور الخير.
فمثلاً: شاب يبكر إلى الصلاة فقال له الشيطان: أنت ربما تبكر بقصد الرياء وأن يمدحك الناس، فترك المبادرة إلى المسجد، وربما يترك الجماعة لهذا الغرض أيضاً، فهذا الأمر لا ينتهي ولذلك على الإنسان السالك في هذا السبيل أن يدرك أن النجاة من ذلك هي بمجاهدة هذا المقصد السيئ ومدافعته عن القلب، والحرص على الإخلاص والدعاء في ذلك وتوبيخ النفس عليها على عدمه وما أشبه ذلك.
أما كلمة ابن الجوزي فإن ظاهر العبارة الإشارة إلى أن كل أمر من الأمور يوجد الله تعالى في النفس من الحوافز الطبيعية ما يكون داعياً لبقائه واستمراره، فكما أن النكاح الذي هو سبب في بقاء الأمة وتكاثرها هو أمر فطري غريزي جبلي عند الإنسان، فلو لم يوجد عند الإنسان شهوة النكاح لربما عزف عنه، فحصل بذلك انتهاء الأمة أو نقص أفرادها وقلتهم، فكذلك العلم ربما يوجد عند بعض العلماء من حب الرئاسة ما يدعوه إلى طلب العلم، وقد يكون هذا في بداية الأمر، ثم إذا طلب العلم صار -كما ذكر في الكلمة السابقة- صار لله بعد أن كان لغير الله، أي ربما كان من وسائل التوظف مثلا حتى في العصور السابقة، بعض الناس يتصورون هذه قضية حادثة، حتى الأقدمون كان الإنسان منهم الذي يريد أن يكون في الديوان أو في الكتاب أو ما أشبه ذلك، يحتاج إلى أن يتعلم العلوم ليكون قاضياً أو عالماً أو مقدماً عند السلطان أو ما أشبه ذلك، فإذا تعلم العلم لهذا الغرض أبى العلم إلا أن يكون لله، إذا فحسنت في ذلك نيته وحسن قصده، هذا محمل كلمة ابن الجوزي رحمه الله.