أما القضية الأخرى التي هي موضوع المقارنة أيضاً: فهي ما يتعلق بالخشية والسمت الحسن والخلق الفاضل، فقد مدح الله أهل العلم بقوله: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَخِرُون لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيْدُهمْ خُشُوعاً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [الإسراء:108] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن العلم هو ما أورث الخشوع والخشية والخوف من الله والعمل، ولا أدل على ذلك من الحديث الصحيح الذي رواه أبو الدرداء: {أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى السماء ذات ليلة وقال: هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء، فقام رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد فقال: يا رسول الله! كيف وقد قرأنا القرآن؟! فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا.
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا زياد! إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل في أيدي اليهود والنصارى فما أغنت عنهم} .
قال: جبير بن نفير راوي الحديث، فلقيت عبادة بن الصامت فقلت له: ألا تسمع ما يقوله أخوك أبو الدرداء؟ وحدثته بالحديث فقال: [[صدق! إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الأرض، الخشوع! يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً]] أحياناً العامي الذي يكون في قلبه خشوع وخشية يسمع المواعظ فيهتز لها ويتأثر ليقظة قلبه، فالقرآن والسنة مواعظ، والحديث الذي ذكرته رواه الدارمي وغيره عن أبي الدرداء، وجاء عن زياد بن لبيد وعن وحشي وعن غيرهم من الصحابة فهو حديث صحيح.