ولا شك أن العلم من أجل الطاعات وأعظم العبادات، بل ذكر عدد من أهل العلم أنه أفضل من نوافل العبادات من وجوه عديدة، فكان العالم منهم يعتبر أنه طالب عالم حتى الموت، ولهم في ذلك قصص وحكايات كثيرة لعل منها ما هو معروف عن الإمام أحمد، وقد رأى بعضهم معه محبرة في آخر عمره وعلى كبر سنه، فاستغرب ذلك وسأل الإمام أحمد فقال: الإمام أحمد: مع المحبرة إلى المقبرة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] لا يلقي عصا التسيار والترحال في طلب العلم حتى يأتيه الموت.
- عبد الله بن المبارك كذلك تعجب الناس من كثرة علمه وتحصيله ومع ذلك، يغشى المجالس ويسمع الحديث، وسألوه عن ذلك فقال: "لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد" ربما تكون الكلمة التي فيها حياة قلبه -هكذا كلمته- ما زال بحاجة إليها، ولعله لم يسمعها حتى الآن.
ومثل ذلك ما رواه ابن عساكر عن أبي القاسم الصوفي أنه خرج إلى الحج وهو شيخ كبير، فكان معه مقلمة ومحبرة وبياض -أي ورق بياض- وكانوا يسمونه "الكاغد" وأجزاء، فكان كلما نزل في مكان قرب قرية أو بلد قال لأحد تلاميذه: هلم! فيذهبون ويحضرون مجالس الحديث ويسجلون الفوائد، فإذا مر به أحد سأله إن وجد عنده فائدة قيدها، حتى ذكر أنه كان في وادي محسر، والناس يحاولون أن يخففوا من أحمالهم التي معهم، فكان في هذا المكان الضيق المزدحم معه المقلمة والمحبرة والبياض والأجزاء فقال له تلميذه: يا إمام في هذا المكان الضيق المزدحم والناس يتخففون من أمتعتهم معك هذه الأشياء، فقال: لعلي أسمع فائدة من جمال أو غيره فأقيدها! صورة معبرة من صور الدأب في تحصيل العلم وعدم الوقوف عند حد معين.