تعليقات على الأخبار المتداولة على شباب الهيئات

وهنا لي مجموعة من التعليقات: أولاً: إن الدين يا أخي ليس ملكاً لفئة خاصة، الدين ليس ملكاً لشباب الهيئات، والدين ليس ملكاً للشباب الملتزمين، والدين ليس ملكاً للقضاة -مثلاً- والدين ليس ملكاً للدعاة، ولا ملكاً لطبقة معينة، الدين دين الله عز وجل، والكل مطالبون بتقوى الله ومطالبون بعبادته، ومطالبون بفعل الخير، ومطالبون بترك الشر، والجنة خلقت لكل مطيع، والنار خلقت للعاصي والكافر والمعاند، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

الدين دين الله عز وجل، ووجود فئة قلت أو كثرت صغرت أو كبرت؛ في نظرك أنت وفي ظنك وفي قياسك، باعتبارك أن هذا الفئة لا تمثل الدين أو لا تقوم به أو لا تطبقه تطبيقاً صحيحاً، أو أن أخلاقيات هذه الفئة أو أساليبها أو طرقها لا تمثل الدين، لا يعني ذلك أنك تنحرف عن الدين، كلا! بل الواجب عليك أن تكون أكثر تديناً وإخلاصاً وصدقاً؛ حتى تنجح أنت في تطبيق ما تقول إن الآخرين عجزوا عنه أو قصروا فيه.

وهذه قضية أساسية، يقول الله عز وجل: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93-95] ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] حتى الثياب ما عليك ثياب {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكم} [الأنعام:94] .

إذاً المسؤولية يوم القيامة مسؤولية فردية وكل إنسان يحاسب، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] المطلوب من كل فرد أن يزكي نفسه، ويسعى في صلاحها، ويبعدها وينأى بها عن كل أساليب التجفية والضلال {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] .

ثانياً: كل قطاع أو جهة أو مؤسسة أو شركة أو مجموعة من الناس، لا بد أن يكون فيهم أخطاء، اسأل نفسك سؤالاً: كم أخطاء رجال المرور مثلاً؟ كم أخطاء رجال الدوريات؟ كم أخطاء الشرط؟ بل اسأل نفسك: كم أخطاء الأجهزة الأمنية بشكل عام؟ أنا لا أتحدث عن هذا البلد فقط.

أقول هذا البلد وكل بلاد الدنيا، البلاد الإسلامية خاصة، والبلاد العالمية كلها عامة كم يوجد فيها من الأخطاء والتجاوزات؟ بل أحياناً تصل إلى درجة الفضائح التي يتكلم عنها الإعلام، وتفرح بها الصحف، وتبدئ وتعيد حولها، ويستغلها بعض الخصوم أو بعض المعارضين.

أصدقاؤك الذين تجالسهم وتتحدث معهم، كم تجد عليهم من الملاحظات، ربما تعتب عليهم كثيراً، وقد تقاطعهم، وقد تغضب من فلان أو تسخط من علان.

إذاً لا يمكن أن تتصور أن مؤسسة أو هيئة أو جهازاً أو مجموعة من الناس، فئة الملتزمين -مثلاً- أو فئة المتدينين أو فئة الشباب الأخيار، أو فئة شباب الجمعيات في المدرسة، أو أي فئة من الفئات المنتسبة إلى الدين، ضع في اعتبارك أن من السنن الطبيعية أن هؤلاء بشر، وإذا كان الواحد منهم لا بد أن يوجد عنده خطأ على الأقل، فما بالك إذا اجتمعوا؟ لا بد أن يكون هناك مجموعة من الأخطاء.

إذاً هناك أمر طبيعي لابد أن يوجد، لكن أعتقد أن هناك ميزة في أوساط المتدينين، وأنا لا أريد أن أبالغ في إثباتها ولكني أزعم أنها موجودة، وإذا كان ما أقوله خطأ؛ فأتمنى من إخوتي أن يصححوا لي ما أقول.

أقول: إن الملتزمين بشكل عام أو المتدينين، سواء كانوا في أجهزة رسمية، أو كانوا محتسبين قائمين بالدعوة إلى الله والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يوجد لديهم إمكانية الحوار، وإمكانية التفاهم، وإمكانية معرفة الخطأ والتنبيه عليه والسعي في إزالته، أو على أقل تقدير الاعتراف بأنه خطأ، وأحياناً إذا أخطأ عليك إنسان ثم جاءك وقال: والله يا أخي أنا أخطأت وأعتذر إليك، ربما يكفيك هذا لأنك تقول: لا أريد منك أكثر من الاعتراف بالخطأ وإظهار الندم عليه، ولو كلف الإنسان نفسه عناء تجربة ذلك، فإنه لن يخطئ -إن شاء الله- من يظهر له الاستعداد في تصحيح الخطأ ومراجعته ومحاولة إيقافه عند حده.

ثالثاً: لا تنسى أن الإنسان بطبيعته ذو هوى، وهو لا يحب من يمنعه من هذا الهوى، فإذا حيل بينه وبين ما يريد؛ فإنه لابد أن يجد في نفسه على هذا الإنسان، أو إذا تعرض صديقه أو قريبه أو جاره أو من يحب لموقف، حتى لو كان هو المخطئ، لابد أن يجد في نفسه على من تسببوا له في هذا الموقف، إنما تذكَّر أيها الأخ الكريم، كم من الوقت يبذله المخلصون الساهرون على حماية المجتمع، والمحافظة على أخلاقياته وعلى أمنه وعلى استقامته، وعلى حفظ نسائنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا وقريباتنا، كم من الوقت يبذلون؟ وكم من الليل يسهرون؟ في سبيل حماية المجتمع.

ولعلك على -سبيل المثال- تعرف أنهم قد يتعرضون أحياناً للمخاطر، وربما ضُرب أحدهم، وربما هُدد، وربما أُوذي، وربما أُطلق على أحدهم النار، فجلس أياماً أو أسابيع طريح الفراش في المستشفى؛ وما كان السبب إلا لأنه وقف ضد جريمة يمكن أن تقع في المجتمع، ولعلك تعرف من الأخبار ما يقع اليوم -وفي هذه الأيام بالذات- ما يصدق ما قلته لك.

إذاً ينبغي أن نضع الأخطاء في حجمها الطبيعي، وبالمقابل نعمل على تصحيحها بالمستطاع، ثم نلاحظ الجانب الآخر وهو الجانب الإيجابي، جانب العمل على وقاية المجتمع وحمايته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015