وهذا يقود إلى قضية: العلاقة بين الشباب الملتزمين المتدينين وبين غيرهم.
إنها علاقة يغلب عليها طابع الجفوة والمباعدة والتوجس والترقب، والطرفان يتحملان جزءاً من المسئولية، ولا أريد أن أجعل من نفسي اليوم حكماً بين هؤلاء وأولئك، ولكني سوف أقدم للطرفين -من الإخوة الملتزمين ومن غير الملتزمين- سوف أقدم لهم مجموعة من الملاحظات، أرجو أن تسهم -كما يقال- في تذويب الجليد بينهم، وإزالة الجفوة، وإقامة الجسور المقطوعة؛ حتى يتمكن كل طرف من الاستفادة من الطرف الآخر، فإنه لا غنى لأحد الطرفين عن الآخر.
حتى أنت أنت أيها الداعية أو الملتزم أو طالب العلم، إذا لم يوجد لك علاقة وصلة بآخرين، عندهم نقص أو خطأ أو انحراف تتمكن من دعوتهم، فأنت حينئذٍ تفقد معنى كونك داعية إلى الله عز وجل أو مجاهداً في سبيله.
الملاحظة الأولى: أن حسن الخلق من الإيمان، وهو خير كله، وقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] قال له ذلك حينما كان يجهر بالدعوة في مكة، ويدعو الناس إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فكان عليه الصلاة والسلام ذا خلق عظيم مع كل الناس، حتى أولئك الذين يدعوهم كانوا كفاراً مشركين عبدة أوثان، ثم في المدينة كانوا يهوداً أو منافقين أو نصارى أو مشركين أيضاً، مع كل ذلك تذرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعوتهم بالخلق العظيم.
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] .
لقد كان عليه الصلاة والسلام مع أهله ومع أقربائه ومع أصحابه، على درجة عليا من الخلق الفاضل، لكن الأعجب أنه كان حتى مع خصومه وأعدائه على درجة من الخلق، {جاءه رجل فسله بثوبه حتى أثر الرداء في رقبة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد -بكل جفاء الأعراب وقسوتهم- مر لي بعطاء -أعطني مالاً- فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فضحك النبي صلى الله علية وسلم وأمر له بعطاء} .
إننا ينبغي أن نتذرع بالبشاشة مع أصدقائنا ومعارفنا وهذا لا شك فيه، لكن لماذا إذا اقتحم مجلسنا شخص جديد انقبضنا عنه وازوررنا، وتوقفت الكلمات، وقرظت الشفاه، وأصبح الجميع صامتون متسمرون لا يتحدثون ولا يبتسمون؛ كما لو كان دخل عليهم عنصر غريب، يتقون الحديث معه أو يتجنبونه.
إن الشاب الملتزم يعتبر نفسه داعية إلى الله تعالى، وهو إن شاء الله كذلك؛ إذاً فالابتسامة والبشاشة والكلمة الطيبة والهدوء، هي المدخل الطبيعي إلى قلوب الآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} فإذا أردت أن تنادي أخاك أو تحادثه أو تدعوه إلى الله تعالى، فقدم بين يدي نجواك صدقة، ليست صدقة مال، لكن صدقة ابتسامة تعبر عن قلب رَضِيٍ نديٍ، لا يحمل للآخرين إلا الحب والود، وليس فيه أدنى رائحة من كبر أو عجب أو غرور أو أي معنى آخر يظنه الآخرون.
كثيراً ما نسمع من ينتقد بعض الأخيار بأنهم مكفهرون، أو حواجبهم مقطبة، أو لا يبتسمون مع الآخرين، وقد يعبر عن ذلك بأنهم سوداويون أو ما أشبه ذلك.
ونحن اليوم نسمع ضجيج الإعلام وصخب الإعلام العالمي والعربي على وجه الخصوص، يحاول أن يشوه صورة المتدينين، وأنهم إرهابيون ودمويون وأهل عنف إلى غير ذلك، أتدري أن ابتسامة صادقة تستقبل بها الآخرين؛ أنها كفيلة بمحو هذا الركام والزبد الذي ضل الإعلام يقذفه في عقول الناس وقلوبهم؟ إذاً ماذا تخسر إذا ابتسمت للآخرين؟ إنك مأجور لأنك تتصدق حينئذٍ، ويكتب هذا في أجرك وثوابك وميزانك يوم القيامة.
ثم أنت أيها الشاب الآخر، الذي يعتبرك الناس أو تعتبر نفسك؛ أنك غير ملتزم وغير متدين، لماذا تنكمش أحياناً وتكشر عن أولئك الإخوة من الملتزمين والمتدينين؟ لماذا تعتقد -لو جاءوك- أنهم جاءوا من كوكب آخر أو من عالم آخر؟ لماذا لا تتعامل معهم بشيء من الأريحية والكرم؟ هل تظن أن كل من جاءك يكون أتى لغرض لا تريده أنت أو لا تستحبه؟ هب أنه جاء ليدعوك إلى الله وأنك غير مهيأ الآن لقبول الدعوة، عليك أن تتعامل معه بالاستقبال الحسن، كما هو واجب في شريعة الإسلام، وكما هو عادة عند الإنسان العربي في كل زمان ومكان، ثم إذا دعاك إلى الله فإن وجدت خيراً فاقبل، وإن كانت نفسك لا تساعدك فرد رداً جميلاً، وربما يوفقك الله تعالى لقبول الحق يوماً من الأيام.