الملاحظة الثالثة: التواضع وهضم النفس.
إنها خصلة من أهم خصال المؤمن الصادق، الإنسان العاقل إذا لقي -ولو كان صالحاً- إذا لقي شخصاً كبير السن قال: هذا سبقني إلى الطاعات.
وإذا لقي صغيراً قال: هذا سبقته إلى المعاصي.
وإذا لقي مطيعاً قال: هذا أطوع لله مني وأقرب زلفى.
وإذا لقي عاصياً قال: لعل عند هذا العاصي من الإخبات والانكسار وذل القلب لله جل وعلا؛ ما يجعله أطوع لله تعالى مني وأقرب إلى الرحمة، وربما كان في عملي الصالح من الغرور أو الإعجاب أو الرياء؛ ما يحبطه ويزيل أثره.
فلا يرى إنساناً مسلماً كبر أو صغر إلا اعتقد أنه أفضل منه وأطوع وأدين لله تعالى.
إنك حين تدعو شخصاً ما، لا يلزم بالضرورة أن تكون أفضل منه أو أتقى منه أو أعلم منه، قد تكون أعلم منه في هذه النقطة أو هذه المسألة التي دعوته إليها، وربما كان هو أعلم منك في أشياء أُخَر، وربما كان أفضل منك، وربما كان على خير هو لا يوجد عندك أنت.
إنما الدعوة من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب التناصح، ومن باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر كما أمر الله عز وجل، وهي نوع من المشاركة، فما منا إنسان إلا وهو داعٍ ومدعو في الوقت ذاته، وربما تجد الفائدة أو العلم أو الحكمة عند شخص لم تكن تظن أو تتوقع أن تجدها عنده.
ولهذا روى أبو نعيم وغيره [[أن سلمان الفارسي رضي الله عنه، دخل في بيت امرأة نصرانية، فقال لها: هل هاهنا مكان طاهر أريد أن أصلي فيه؟ قالت له تلك المرأة: طهر قلبك وصلِّ حيثما شئت، فخرج سلمان وهو يبتسم ويتعجب من حكمة هذه المرأة، على رغم أنها كانت كافرة]] .