وجه عابر

ولكن أيها الإخوة: عفواً؛ فأنا لا أريد حضور المحاضرات بعد الآن، ولا المشاركة في الدروس العلمية، ولا المجيء إلى هذه التجمعات الأخوية الخيرية، لقد أصبحت أضيق بها ذرعاً وأكره الحضور إليها، وأجد نفسي في ضيق وأنا بين رواد الدروس العلمية، والقادمين إلى المحاضرات والكلمات في المساجد أو المراكز أو غيرها.

هكذا يتحدث أحد الشباب، وحين تسأله عن السبب، فإنه يقول لك: نعم، أنا أجلس في استراحة أو مزرعة مع مجموعة من أصدقائي صغيرة أو كبيرة؛ وأعترف أن في جلستنا بعض مالا يرضي، وبعض ما نعرف أنه إثم، ولهذا نستره عن الآخرين.

فربما كان فيها جهاز التلفاز أو حتى الفيديو، وربما كان الدش منصوباً على سطحها يستقبل القنوات من الشرق والغرب، ولا تخلو تلك المزرعة أو الاستراحة أو المجلس أو حتى الشقة لا تخلو من الدخان أو الشيشة، وربما آلات الغناء والطبول وغيرها.

كل هذا يجري ولكننا مع ذلك -بحمد الله- محافظون على صلواتنا حتى مع الجماعة، بعيدون عن ارتكاب الفواحش والموبقات والكبائر، التي نص الله على تحريمها في القرآن وحذر من مغبتها وسوئها، وكنت أطمع قبل ذلك في صلاح قلبي واستقامة حالي، وأن أجد نفسي منتظماً في سلك مجموعة من الشباب الملتزمين، في حلقة من حلق تحفيظ القرآن الكريم، أو في درس علمي أو ما شابه.

لكن الأمر تغير، فإنني أصبحت أجد نفسي بين الإخوة الملتزمين كما لو كنت غريباً، تلاحقني النظرات والعيون الجائعة، العيون التي تسأل ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لأي غرض أتيت؟ كما لو كان مجيئي إلى ذلك الدرس عاراً أو عيباً أو أمراً مستنكراً.

لقد كنت أتوقع أن يفرح بقدومي الشباب الملتزمون، وأن يستقبلوني بالبشاشة والترحاب، وأن يعبروا لي عن أجمل المشاعر والفرحة والسرور.

ولكني أنظر عيوناً زائغة، وأقرأ فيها أسئلة تقول: لماذا جئت؟ ما هدفك؟ هل أنت طالب علم؟ هل أنت راغب في الاستفادة أو في تغيير أو إصلاح؟ ولقد سمعت أكثر من النظرات؛ سمعت كلمات وعبارات تلاحقني وتقول لي: هذا الإنسان وجهه ليس بوجه محاضرات، ولا بوجه دروس علمية، ولا هو من روادها، فأي ذنب جنيته؟ نعم أنا مخطئ، لكن ربما يكون من ينتقدني هو الآخر مخطئاً بأمر آخر ظاهر أو خفي، وأعظم الذنوب ذنوب القلوب.

إن هذه الكلمات والنظرات، التي واجهتني وصعقتني من إخواني الملتزمين؛ أبعدتني أمتاراً بل كيلو مترات عن مجال الخير والمشاركة فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015