وهذه صورة أخرى لـ أسماء رضي الله عنها وهي تتعلق بجانب آخر من حياتها، فإذا كنا عرفنا قبل قليل نموذجاً لتحملها وصبرها، فإن هذه القصة تدلنا على جانب آخر من عمل هذه المرأة، وهو البيت وقيامها بالواجبات، ومشاركتها لزوجها في أفراحه ومسراته وأحزانه.
يروي الإمام مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: [[تزوجني الزبير رضي الله عنه وليس له في الأرض من مال ولا مملوكٍ ولا شيء، غير الفرس الذي كان يستعمله، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز، فكن نساء صدق من الأنصار جيراناً لي يساعدنني في ذلك، قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهذه الأرض على مساحة ثلثي فرسخ من بيت الزبير -أي بقدر ميلين- قالت فجئت ذات يومٍ وقد حملت النوى على رأسي، فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره فهمَّ صلى الله عليه وسلم لينيخ بعيره ليركبها خلفه إلى دارها قالت: فاستحييت وعرفت غيرة الزبير فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يجول في نفسها، فواصل المسير وتركها]] وفى رواية أخرى لـ مسلم أضاف: [[أن رجلاً فقيراً قال لـ أسماء: يا أم عبد الله إنني رجل فقير، وأريد أن أبيع في ظل دارك، يريد أن يتخذ من ظل بيتها مكاناً يبسط فيه بضاعته- فقالت له: إن رخصت لك في ذلك أبى الزبير ولكن ائتني وأنا عند الزبير فاطلب مني ذلك، فجاءها وعندها الزبير فقال: لها يا أم عبد الله إنني رجل فقير وأريد أن أبيع في ظل دارك، فقالت له: مستنكرة عليه -وهي تتظاهر بذلك أمام الزبير - أما لك في المدينة إلا داري؟ فقال لها الزبير: مالكِ أن تمنعي رجلاً فقيراً أن يبيع في ظل دارك، فقالت: فكان يبيع إلى أن كسب فبعت عليه أمة -أي عبدة- كانت عندي.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أبو بكر أرسلها إليها، قالت: فكانت تحمل عني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني قالت: فبعت عليه هذه الأمة، فدخل علي الزبير وثمنها في حجري، فقال: ألا تهديه إلي؟ قالت: إني قد تصدقت به]] .