وكما أن من الدين الحديث عن حقوق المستضعفين والفقراء المظلومين والمهضومين والدفاع عن مصالحهم الدنيوية، فكذلك من الدين الحديث عن حقوق العمال ومآسيهم ومعاناتهم، فهم طبقة في المجتمع لا يكاد يشعر بها أحد، ولا يكاد يدافع عنها أحد.
ولست أقصد فقط العمال الذين أتوا من الخارج وخاصة حين يكونون مسلمين؛ بل حتى حين يكون الإنسان عاملاً في أي بلد، سواء كان في بلده، أوفي غير بلده، ولستُ أتحدث عن بلد بعينه، وإنما أتكلم عن بلاد المسلمين من مشرقها إلى مغربها، وفي كل بلد طبقات من العمال سواء من أهل البلد الأصليين أومن الطارئين عليهم من غيرهم.
فهذه الطبقة من العمال تعاني ما تعاني من أرباب العمل في أحيان كثيرة، تعاني من الجور والظلم، وتعاني من منع الرواتب، وتسكن أحياناً في زرائب لا تسكنها حتى الحيوانات، ولا تجد في كثير من الأحيان القوت الذي تأكله، بل لا تجد في أحيان كثيرة التذكرة التي تستطيع أن تسافر بها، وربما حُمّلوا من العمل ما لا يطيقون إلى غير ذلك من ألوان الظلم التي قد تكون سبباً في عقوبة من الله عز وجل تنزل بالمجتمع الذي يظلم هؤلاء الضعفاء والمساكين ولا يؤدي حقوقهم.
مع أن هذا الظلم هو أخطر قنبلة يمكن أن تنفجر في أي مجتمع، وقد استغلت الشيوعية هذا الخطر -خطر العمال والمظلومين- زماناً طويلاً، ومنتهم الأماني بأنها سوف تعيد إليهم حقوقهم المهضومة، وتدافع عن مصالحهم، وترفع الظلم عنهم، فاستغلتهم أبشع استغلال، ورفعت شعار: يا عمال العالم اتحدوا، وادعت أنها سوف تحكم باسم طبقة العمال أو البيروليتاريا كما يسمونها، وباسم العمال سرقوا العمال أيضاً!! وهذا ليس بغريب فهم -أعني الشيوعيين- أتباع الشيطان، والله تعالى يقول: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [الإسراء:64] فجنود الشيطان يعدون الناس بالوعود الكاذبة ولا يوفون.
أما جنود الله تعالى وأتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم ينبغي أن يعدوا الناس الوعود الصحيحة، بل ينبغي أن يقدموا للناس عربون الوفاء والصدق فيما يقولون، وأن يكون واحدهم صاحب وعد حق كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] .
ولما جعله على خزائن الأرض وعده فوفى ووجده حفيظاً عليماً كما وصف نفسه عليه صلاة الله وسلامه.