إليك مجموعة سريعة من الأمثلة والنماذج: نشرت صحيفة واشنطن بوست، في (16) مارس من هذا العام، مقالاً عنوانه: مقارعة حكم الأصوليين الإسلاميين، وقالت: إن خصمنا الرهيب هو الإسلام، وإن كان يحلو للبعض أن يجعلوا خصم الغرب هو اليابان، ولكن الواقع أن الخصم الرهيب هو الإسلام، وأن مصطلحات الحرب الباردة التي كانت تستخدم ضد الاتحاد السوفيتي، أصبحت الآن تستخدم ضد الإسلام.
فمثلاً: الاحتواء، أصبح الغربيون يطلقونه في شأن الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي، محاولة احتوائها عن طريق تركيا وإدخالها في تيار العلمنة.
أيضاً مصطلح الخطوط الحمراء ضد تصدير الثورة في السودان، أي أنهم يطالبون السودان، ويحذرونه من تصدير ثورته إلى الخارج، وأن يتعدى الخطوط الحمراء، كما كان هذا المصطلح يستخدم ضد الاتحاد السوفيتي.
أيضاً: القبضة الحديدية.
استخدموها ضد الإسلام في الجزائر، لما أوشك أن يصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات، فأطلقوا على الانقلاب لفظ القبضة الحديدية، وهذه كانوا يستخدمونها أيضاً ضد الاتحاد السوفيتي، ثم أثارت تلك الصحيفة إشكالية غريبة جداً، قالت: إن الغرب يريد الديمقراطية في بلاد الإسلام، ولكنه يخاف من الديمقراطية في بلاد الإسلام؛ أن تكون سبباً في إبعاد أصدقائه الموالين له والإتيان بالأصوليين، ولذلك فهو يعيش تناقضاً خطيراً بارزاً، كما هو الحال في الجزائر وفي غيرها من البلاد.
وضربت الجريدة نفسها مثلاً بالجزائر، فقالت: تناقض كبير في الموقف، لماذا لم تقف أمريكا مع الديمقراطية كما تدعي؟ يقول أحد الباحثين الجزائريين -والكلام للجريدة- وهو باحث في جامعة غربية: إن الجزائر على مشارف التطور -هكذا يتمنى- ولكنه لن يصل إلى التطور إلا بعد أن يجرب الحكم الإسلامي ويثبت فشله.
إذاً هو سوف يجرب الإسلام في الحكم، وسيثبت فشله، وحينئذٍ تنتقل الجزائر إلى التطور.
تقول الصحيفة تعليقاً على هذه الأمنية: فكرةٌ جميلة، ولكننا لن نراهن عليها بالمزرعة.
أي: ليس لدينا استعداد أن نجرب الإسلام ليثبت فشله، لأننا نخشى أن يثبت نجاحه كما ثبت نجاحه في أكثر من بلد.
مثال آخر: عقد في ميونخ في أوائل العام الميلادي الحالي مؤتمرٌ للأمن، وقد عبر هذا المؤتمر عن قلقه مما يسميه بالقنبلة النووية الإسلامية، وأكد أن الأصوليين -كما يسميهم- ساخطون على الغرب، لماذا؟ قال: ليس سخطهم لأن الأصوليين متعاطفون مع العراق، ولكن سخطهم بسبب أن الغرب مصمم على تجريد العراق من أسلحته النووية وبرنامجه ومواده، في الوقت نفسه الذي يتجاهل فيه البرنامج النووي لإسرائيل.
وقال رئيس الأركان البريطاني في مقابلة: حتى المسلمون المعتدلون، يمكن أن يطرحوا مشكلات لنا، ويقول إن صواريخ دول الخليج يمكن أن تشكل تهديداً لنا، ويمكنها أن تضرب لندن إذا نقلت غرباً على طول ساحل الشمال الإفريقي، ثم أعرب عن أمله في أن تتمكن تركيا من نشر علمانيتها في الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي.
مثالٌ ثالث: صدر في أمريكا كتابٌ أثار ضجةً إعلامية كبيرة اسمه: قيام الدول العظمى وانحطاطها، وقد أبدى مؤلف الكتاب مخاوفه من الإسلام كأحد الأعداء المحتملين للديمقراطية الليبرالية الغربية.
وصدر كتاب آخر عنوانه: نهاية التاريخ يرد على الكتاب الأول، ويؤكد أن الديمقراطية الغربية هي نهاية التاريخ، وأنها خالدة لا زوال لها.
قال تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2] وأثار الكتاب الآخر أيضاً ضجةً كبيرة، وكان أحد الردود عليه كتاباً صدر من فرنسا ألفه أحد القسس النصارى، وتكلم عن انهيار الديمقراطية، وقد أبرز بقوة وشدة وعناية الخطر الإسلامي، وقال: إن المشكلة ليست تكمن في المتطرفين أو الأصوليين، أو الذين لا يفهمون الإسلام فهماً صحيحاً.
إنما المشكلة تكمن في الإسلام ذاته، وليس في خطأ المتمسكين به، وإن المتسامحين من المسلمين قليل، فأنا لا أعرف إلا ثلاثة من المتسامحين، وسماهم واحد ٌمنهم هو ابن جلون الذي قتل في المغرب، وآخر يقول منبوذ لا يلتفت إليه أحد، والمسلمون لا يستمعون إليهم، إنما يستمعون إلى الأصوليين والمتشددين.
وأعاد إلى الأذهان أخبار الغزوات التركية التي وطأت أرض أوروبا، وآذنتْ بالسيطرة عليها، كما أبدى سخطه على العرب المهاجرين في فرنسا وبريطانيا، وأنهم يشكلون خطورة كبيرة على تلك المجتمعات؛ لصعوبة ذوبانهم فيها، وتأقلمهم معها، وتكاثرهم السكاني الكبير.
مثالٌ رابع: أصدر نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق، كتاباً وهو الكتاب التاسع، تحت عنوان: انتهزوا هذه الفرصة أو الفرصة السانحة، وقد ترجم إلى العربية عدة تراجم، أحدها طبعتها دار الهلال، وقد عرضته أيضاً مجموعةٌ من الصحف والمجلات العربية، والكتاب عبارة عن خمسة فصول، يتكلم بطبيعة الحال عن أمريكا وأنها القوة العالمية الوحيدة، التي تسيطر الآن سيطرة كاملة على الحضارة، وتنفرد بقيادة العالم والبشريةَ جمعاء، ويؤكد هذا المعنى، ثم يتحدث في فصولٍ خمسة عن العالم كله.
الفصل الخامس منه يوضح النظرة الأمريكية للمسلمين؛ بأنهم غير متحضرين، ولا يغتسلون، وبربريون، وهمجيون، وغير عقلاء، يجذبون اهتمامنا فقط، لأن بعض قادتهم لديهم ثروة كبيرة، ولأنهم يحكمون منطقةً تحوي -بالمصادفة- ما يزيد على ثلثي احتياطي النفط في العالم، ولا توجد -كما يقول- دولة ولا حتى الصين الشعبية، تحظى بصدارة سلبية، ونظرة قاتمة في الضمير الأمريكي، كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي.
ويحذر بعض المراقبين -ولا يزال الكلام لـ نيكسون - من أن الإسلام سوف يصبح قوة واحدة ومتعصبة، وأن تزايد عدد السكان والقوة المالية التي يتمتع بها المسلمون، سوف تشكل تحدياً رئيساً، وأن الغرب سيضطر إلى تشكيل حلف جديد مع موسكو، لمواجهة العالم الإسلامي المعتدي العادي في المستقبل.
وتقول وجهة النظر هذه: إن الإسلام والغرب متناقضان، والمسلمين ينظرون إلى العالم على أنهم معسكران: دار إيمان ودار كفر، أو دار توحيد ودار شرك، وأن العلاقة بينهما علاقة حرب وتناقض ومناوئة.
ويقول نيكسون: إن هذا الكابوس -أي: توحد العالم الإسلامي ومواجهته للغرب- لن يتحقق أبداً، لأن العالم الإسلامي كبيرٌ جداً ومترامي الأطراف، ومتناقض ومتباعد، ومن قوميات وعرقيات مختلفة، ولا يمكن أن يزحف ليقرع طبلاً واحداً.
وأقول: بلى، يمكن أن يتوحد الإسلام والعالم الإسلامي، ربما يتوحد على وقع أقدام الغزاة، فحينما يشعر المسلمون بأنهم مهددون فعلاً، وأنهم على أبواب حرب صليبية قادمةٍ، بلا شك سوف ترتفع مشاعرهم، ويكون لديهم إحساس عميقٌ بالخطر الذي يمكن أن يوحدهم.