أنهم يتفاوتون في مداركهم وعقولهم، فإن الله تعالى قسم بين الخلق أرزاقهم، وأخلاقهم، وعقولهم، فهذا عقله كبير عبقري نابغة، وهذا إنسان ساذج لا يفهم من الأمور شيئاً، ولا يوردها ولا يصدرها، وأما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم كانوا يشتركون في قدر من العلم بالقرآن، إلا أن بعضهم كان يفوق بعضاً في ذلك.
فمثلاً: في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن علي رضى الله عنه: أنه سئل هل خصكم صلى الله عليه وسلم بشيء من دون الناس، وقد كان الناس في ذلك العصر يتسامعون، أو أشاع الشيعة بأن الله تعالى اختص أهل البيت بأشياء، فسئل علي:هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال: [[لا، والذي برأ النسمة وفلق الحبة، ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا فهماً أوتيه رجل في كتاب الله تعالى، وما في هذه الصحيفة وأشار إلى صحيفة معلقة في سيفه، فقالوا: وماذا في هذه الصحيفة؟ قال: فيها العقل -يعني الديات- وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر]] وفيها أشياء من الأحكام، الشاهد قوله: إلا فهماً أوتيه رجلٌ في كتاب الله تعالى.
إذاً: قد يؤتى أحد الصحابة أو غير الصحابة من الفهم ما لم يؤته غيره، ولذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنه كما في الصحيح أنه وضع للنبي صلى الله عليه وسلم طهوره، أي الماء الذي يتوضأ به صلى الله عليه وسلم، فقال: {من وضع هذا؟} فقالوا: ابن عباس -وكان شاباً دون الحلم أي دون البلوغ في ذلك الوقت، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بعمله هذا، بذكائه، وأدبه- فدعا له: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل} فكان ابن عباس رضي الله تعالى عنه، لا يشق له غبار في فهمه لكتاب الله تعالى، وله في ذلك قصص وأخبار، لعل من أعجبها وأغربها قصته مع نافع بن الأزرق الخارجي الذي أرسل إلى ابن عباس يسأله عن أشياء كثيرة، وكلما سأله قال: وهل تعرف ذلك العرب في لغاتها، فيقول: نعم، ثم يستشهد ابن عباس بأبيات من أبيات العرب وهي محفوظة وهي عجب من العجب، وهو من أكثر من نقل عنه التفسير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك أيضاً -لتفاوتهم في مداركهم- تجد الاختلاف بينهم، فمثلاً: اختلف الصحابة في معاني آيات كثيرة، وفهم بعضهم من معاني الآيات خلاف ما تدل عليه، كما سيأتي الإشارة إلى شيء من ذلك.