فمن أسباب اختلافهم: اختلافهم في فهم اللغة العربية، فإنهم -وإن كانوا عرباً- إلا أنهم متفاوتون في التوسع في فهم اللغة وألفاظها ومعانيها، ولذلك جاء في تفسير الطبري وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وفي رواية أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه صعد على المنبر فقرأ قول الله تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:26-31] فقال: [[قد عرفنا الفاكهة فما "الأب"؟ ثم رجع إلى نفسه، وقال: والله إن هذا هو التكلف]] فما كان يعرف الأب تماماً وإلا فالأب معروف أنه من نبات الأرض، من رعي الأرض، لكن ما كان يعرف نوعه من بين أنواع النباتات، وفي رواية أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه سئل عن هذه الآية فقال: [[أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم]] فكانوا يتفاوتون في فهمهم للغة العربية.
كما كانوا يتفاوتون في فهمهم لمراد الله تبارك وتعالى بالآية، فهذا عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه وقصته في صحيح البخاري وصحيح مسلم من روايته، وهي في الصحيحين أيضاً بنحوه من رواية سهل بن سعد دون ذكر اسمه، أن عدي بن حاتم لما سمع قوله الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة:187] فهم أن الخيط هو الحبل المعروف، فلما نام وضع تحت وسادته خيطين، أسود وأبيض، فوضع الخيطين بجواره وصار يأكل وينظر، حتى أسفر وصار يعرف أن هذا هو الأبيض وهذا هو الأسود فأمسك، فلما أصبح غدا على الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا، إنما هو بياض النهار، وسواد الليل -الخيط الأبيض هو النهار، والخيط الأسود هو الليل- فإذا بان لك النهار -أي: طلع الصبح وطلع الفجر- فأمسك} وفي رواية أنه الرسول عليه الصلاة السلام قال له: {إنك لعريض الوساد إن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحتك} وقد اختلف الشراح في معنى هذه الكلمة ولا أجد داعياً للوقوف عندها لأن الوقت يمضي.
فهذا من اختلاف فهمهم لقول الله تعالى في القرآن الكريم، لأن اللغة العربية تحتمل أن يكون الخيط هو الحبل، وتحتمل أن يكون المقصود بالخيط هو الليل والنهار، فعدي فهم الأول فبين له الرسول صلى الله عليه وسلم الثاني، ولا شك أن بقية الصحابة ما فهموا كما فهم عدي، بل فهموا الليل والنهار ولذلك ما وقعوا في الأمر الذي وقع فيه.