ثالثا: التعرف على مراحل الدعوة وأساليبها، فدراسة السيرة -معاشر الإخوة والأخوات- تكشف عن مراحل دعوته صلى الله عليه وسلم المختلفة، وترسم المنهج الأمثل للدعوة، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم أسر في دعوته بمكة فترة من الزمن، كان لهذه الفترة ظروفها وملابساتها، وكان له صلى الله عليه وسلم فيها أسلوب مميز للدعوة شاد فيها أسس البناء، واختار العناصر الصالحة للعطاء، وأبعد عن الدعوة مخاطر الأعداء، ثم جهر بالدعوة وأعلنها على الملأ، وكان له ولصحابته مع الكفار مواقف وأحداث استطاع خلالها أن يرسم الأسلوب الأمثل للمواجهة، ثم هاجر إلى المدينة فاحتاجت الدعوة إلى أسلوب آخر، فما جمد الرسول صلى الله عليه وسلم وما تردد، ورسم منهجاً ومارس وسائل الدعوة التي تناسب هذه المرحلة، وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته لا يمل ولا يكل، ولا يتوقف عند أسلوب يرى أن غيره أنسب للدعوة منه.
ولذا فإن على الذين يمارسون الدعوة أن يقرءوا هذه السيرة العطرة، وسيجدون فيها ما يجيب على تساؤلاتهم، ويلبي حاجياتهم، ويفي بمتطلبات دعوتهم، مهما اختلفت الأزمان وتنوعت البقاع، أجل! لقد حوصر النبي صلى الله عليه وسلم وشرد، ونفي وأهين، وواجهته ضغوط نفسية واجتماعية ومؤامرات وخيانات، وتعرض لكيد المنافقين وكيد الكفار والطغاة والمجرمين، وتعرض لمساومات سياسية وعقد مصالحات، وواجهته مشكلة بناء أمة وإقامة مجتمع على أسس جديدة، فما وهن ولا استكان، بل ترك في هذه وتلك توجيهات كريمة وأسساً رشيدةً، وعلى قدر المسيرة عليها تصلح الدعوة وينجح الدعاة.
وليس بمقدور الدعوة، بل وليس بمقدور الدعاة أن يعيدوا منهج الدعوة بغير معرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.