تواصل حمل الرسالة والدعوة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم

أيها الإخوة ومن خصائص هذه السيرة أنها لم تنته بموته، بل بقي جيل بل أجيال تحمل منهجه، وتؤدي رسالته، فالرجال الذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوفر مثلهم عدداً وعدة لنبي قط، وإذا كان أصحاب موسى عليه السلام قالوا له حينما اشتدت الأمور: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] فإن الأمر يختلف بالنسبة لجيل محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته فهم الذين قالوا له: والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.

وإذا كان أصحاب عيسى عليه السلام حكى الله تعالى كفرهم وحكى تحذير عيسى عليه السلام إياهم من الكفر، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:72] إذا كان هذا حصل من أصحاب عيسى عليه السلام، فلم يحصل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كفر به بعد إيمان.

وليس بخافٍ عليكم -أيها الإخوة- كذلك موقف النصارى أو بني إسرائيل من المائدة التي سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينزلها عليهم من السماء، وأخذ عليهم العهود، فسأل الله تعالى بعد أن أخذ عليهم من العهود والمواثيق ما أخذ أن يشكروا الله ولا يكفروه، إلا أنهم بدلوا وحرفوا وكفر بعضهم وجحدوا هذه النعمة، حتى قال بعض المفسرين: إنها لم تنزل عقوبة لهم، وقال الحافظ ابن كثير: وقد روي ذلك بأسانيد حسان، بل قال: بأسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن وإن كان قال: إن الجمهور على أن المائدة نزلت، المهم أن أصحاب عيسى كذلك حصل لهم ما حصل مع نبيهم عيسى عليه السلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015