اطلاع صاحب السيرة على أحوال الأنبياء السابقين

ومن خصائص سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر يدعو إلى الاهتمام بها وإلى دراستها، أن الله تعالى أطلع نبيه على أحوال الأنبياء السابقين وعرفه بقصص الماضين، فكان ذلك رصيداً له ولأمته من بعده، وكان ذلك دليلاً على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام، أجل! إن ذلك من إعجاز القرآن الكريم، وإلا فكيف يخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن أمم غبرت في سالف الأيام، وبينه وبينهم آلاف الأعوام؟! وهو ترسيخ للإيمان، يجده من يقرأ القرآن الكريم، فهو مثلاً حينما يقرأ أخبار عاد وثمود، أو قوم نوح أو قوم صالح، أو قوم لوط أو حكايات بني إسرائيل وأخبارهم، حينما يقرأ هذه الأخبار كلها، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، يعلم أن ذلك من وحي السماء؛ ولهذا قال الله تعالى لنبيه وهو يعقب على قصة موسى عليه السلام، وانظروا إلى دقة التعبير، قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [القصص:44-45] .

إذاً بسبب الرسالة وبسبب الوحي علم محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يكن يعلم، وقص عليه من الأخبار ما لم يكن شاهداً أو حاضراً له.

وفي موطن آخر وبعد أن يخبر الله تعالى أو يقص من أخبار مريم البتول وابنها عيسى عليه السلام يقول الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:44] وحين يفصل الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قصة يوسف عليه السلام مع إخوته يوحي الله تعالى إلى نبيه في نهاية المطاف ويقول: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف:102] إلى غير ذلك من آيات تشير إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتؤكد إخباره بأخبار الماضين.

ماذا يعني ذلك؟ يعني هذا: شمولَ رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وعظمته وحاجته إلى هذه المعارف، فهي رسالة خاتمة، ولذلك فهي محتاجة إلى كل رصيد من تجارب الأنبياء قبله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015