السؤال يقول: بعض الشباب من غير المتدينين يتكلمون في بعض أهل العلم، وخاصة المعاصرين، فكيف يكون الرد عليهم؟ هل بالتي هي أحسن؟ أم بالجفاء وإسكاتهم بالقوة؟
صلى الله عليه وسلم الواقع أن النيل من أهل العلم والعلماء والدعاة مطلب أساسي من مطالب أعداء الإسلام في هذا العصر، لأنهم لاحظوا أن المسلمين بدءوا يلتفون حول العلماء والمشايخ، وفقدوا ثقتهم بالقيادات العلمانية المنحرفة، لأنه في وقت من الأوقات كان كثير من الشباب يصفقون ويهتفون بفلان وفلان من دعاة القومية، كـ ساطع الحصري مثلاً أو دعاة البعثية، أو دعاة الناصرية، أو من الأدباء والشعراء وغيرهم، أما اليوم فالساحة هي في صالح العلماء والمشايخ ودعاة الإسلام.
وحتى أعداء الإسلام الذين كانوا بالأمس يطعنون بالدين، ويسيئون للمسلمين، ويشوهون سير الصحابة رضي الله عنهم بدءوا يلبسون مسوح الرهبان ويتسمون باسم الدين، ويكتبون عن الإسلام والمسلمين، ويؤلفون في سير الصحابة، ويتمسحون بالإسلام، رغبةً في كثير من الأحيان في كسب الجولة، ولأنهم يدركون خطر الإسلام عليهم، وكما يقول المثل العربي يعرفون من أين تأكل الكتف، فعلى المسلم أن يكون حذراً، وكم من صحفي كان معروفاً بالطعن في المسلمين، والوقيعة في الإسلام، والنيل من الحجاب، وسب اللحية وأهلها، وسب الشعائر الإسلامية، وإذا به ينقلب بين يوم وليلة متكلماً عن الإسلام، وإذا أراد أن يطعن في الدين لا يطعن بالإسلام بل يمجد الإسلام ثم يطعن بمن يمثلون الإسلام؛ لأن الطعن في الإسلام مباشرةً يجعل كثيراً من الناس يثورون عليه، ويرفضون ما قال، لكن هو حين يطعن في فلان وفلان فقد يتقبل بعض الناس منه هذا الأمر، ويعتقدون أن ما يقوله صحيح، فيقول مثلاً: إن هؤلاء المسلمين يجمعون الأموال لأنفسهم وليس في سبيل الله، إن فلاناً يقصد بتعليمه وعلمه ودعوته كذا وكذا، وربما نشروا الشائعات الذي تلوث شخصية كثيرٍ من المشايخ.
وأذكر بالمناسبة قصة قد تصدق أو لا تصدق، بل لعلها تكون من نسج الخيال لكن هي بكل حال فيها العبرة، وهي أن مجموعة من الخبثاء المنحرفين، التقوا برجلٍ صالح وكان يحضر مجالس العلم والذكر ويحب المشايخ والعلماء، فقالوا له: إن فلاناً وفلاناً وفلاناً ممن تحبهم وتعظمهم ليسوا على ظاهرهم بل إنهم منحرفون وفاسقون، وعندهم انحرافات أخلاقية كثيرة في أحد البلاد الإسلامية، فقال: إن هذا كذبٌ ولا يتصور، وأنا أعرف دينهم وورعهم، قال أحد هؤلاء القوم وألح عليه: إن هذا الأمر مؤكد وقد رأيت بعيني كذا وسمعت بأذني كذا، وما زالوا به حتى رأوا أنه قد تأثر بكثرة ما قالوا، فقال أحدهم: وحتى تكون على بينة من الأمر فإن عندنا أشرطة مسجلة، أشرطة فيديو مسجلةً مصورةً لهؤلاء، وهم يعاقرون الخمر، ويفعلون ويفعلون من الفواحش العظيمة، وسوف أحضرها لك الآن حتى تطلع وترى بعينك، وخرج من عنده بحجة أنه سيأتيه الآن بهذه الأشياء، فخلال خروجه اغتر هذا الشاب بالأمر، ووقع في أعراض هؤلاء العلماء، وظن أن ما قيل عنهم صحيح، ولحظاتٍ وهو ينتظر وطال الانتظار، وأخيراً تكشف له أنها لا تعدو أن تكون خدعة ولعبة وأنه ذهب ضحية هؤلاء المخادعين.
فعلى كل واحدٍ منا أن يجعل الدفاع عن أهل العلم جزءاً من دينه، وجزءاً من دعوته إلى الله عز وجل، وأن لا يقبل فيهم كلاماً حتى لو سمع عن أحدٍ منهم مقالاً بتهمةٍ معينة، فإنه يسارع بعدم قبولها كما علمنا الله عز وجل: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] .
فعليك أن تنكر ما ينسب إلى أهل العلم مما لا ينتظر منهم ولا يتوقع، ولو فرض حصوله، فإنك تقول: إنهم بشرٌ وليسوا معصومين، وفيهم من الفضائل أضعاف ما في غيرهم من الفضائل، وما عندهم من الخطأ فعند غيرهم أضعاف أضعاف، وأهل الشر يمجدون ويرفعون أشخاصاً لو اطلعتم على سيرهم الذاتية وحياتهم الشخصية؛ لوجدتموها في منتهى البشاعة، لكنهم يلمعون شخصياتهم، ويتكلمون عنهم، ويصورونهم على أنهم هم النزيهون في مجال المال وهم الأدباء وهم الشعراء، وهم العقلاء حتى يخدع الناس بهم.