السؤال يقول: قلت أن الواحد يبلغ الثلاثين من عمره أو أكثر أو أقل، وهو لم يزد في إيمانه، بل إن لم يشعر بالنقص لم يشعر بالزيادة.
ماذا تعني بذلك، وكيف يزيد الإنسان من إيمانه، وعلمه وغير ذلك؟
صلى الله عليه وسلم يا إخوتي: هذا السؤال فعلاً كبير، كيف يزيد الإنسان في علمه وفي إيمانه ومثل هذا السؤال يحتاج إلى حديث خاص؛ ولكن يجب أن تعلم أيها الأخ أن كل شيء منحك الله إياه، فهو عبارة عن تحدٍ، أو قل عبارة عن اختبار يبتليك الله عز وجل به، ولذلك قال الله عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:1-2] .
قال الفضيل بن عياض: أي أخلصه وأصوبه، قيل له: يا أبا عبد الله، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، ولا يقبل حتى يكون خالصاً -يعني لوجه الله- صواباً يعني على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حياتك أيها المسلم تحدٍ واختبار، والشباب تحدٍ واختبار، والمال تحدٍ واختبار، والقوة في جسمك تحدٍ واختبار، والفصاحة تحدٍ واختبار، والعلم تحدٍ واختبار، والعقل تحدٍ واختبار، وكل شئ هو عبارة عن تحدٍ واختبار، الله عز وجل خلقنا وأعطى كلٍ واحد منا ذكراً أو أنثى مجموعةً من الأشياء، يتصرف الإنسان في هذه الأشياء على وفق ما يريده الله، هذا هو المطلوب، وما يريده الله عز وجل ليس هو أن تحول نفسك من إنسان إلى مَلَك، كلا، فإن الله قادر على أن يجعلنا ملائكةً لا يعصونه ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لكنه بحكمته جعلنا بشراً من البشر، وخلق أبانا آدم خلقاً، وسلط على الإنسان الشيطان، وجعل نفس الإنسان قابلةً للخير والشر، فقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] .
والمطلوب منك بكلمةٍ واحدة: المجاهدة، والمجاهدة ليست موقف ينتهي، المجاهدة سيرةٌ تبدأ منذ أن بدأت تعي وتعقل، ولا تنتهي إلا بنهاية حياتك، وقبل قليلٍ مرت بكم لمحاتٌ من سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وانظر كيف كان يجاهد في حياته، ثم كيف جاهد في آخر لحظة من لحظاته، فالمطلوب منك المجاهدة، وبالمجاهدة ترتقي قطعاً؛ لأن الله عز وجل كتب على نفسه -والله لا يخلف الميعاد- أنه من جاهد ففيه هداه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] .
إذاً مطلوبٌ منك أن تجاهد، والمجاهدة هي كما يقول اللغويون: هي مفاعلة بين طرفين، مثلما تقول مضاربة، والمضاربة لا يمكن أن تأتي من شخصٍ واحد أبداً، المضاربة تحصل بين شخصين، كذلك المجاهدة تحصل بين طرفين.
الطرف الأول هو الإنسان، والطرف الثاني هو مجموعةٌ قوى النفس الأمارة بالسوء: الهوى، والشيطان، كل هذه الأشياء تتحالف ضد الإنسان، والمطلوب منك أن تجاهد في الله، ثم تجاهد في الله، كما أمر الله تعالى: يعني تجاهد طلباً لما عند الله، ورغبةً في الوصول إلى الجنة، ورغبةً في الوصول إلى العلم النافع، ورغبةً في الرقي إلى الدرجات العلى، لا تجاهد من أجل أن تكون فلاناً المشار إليه بالبنان، لا تجاهد من أجل أن تكون عالماً يقصدك الناس، ومفتياً يسألك الناس، وداعيةً تتكلم فتلفت الأنظار، لا تجاهد لأجل ذلك لكن جاهد معتمداً على الله فنفسك ضعيفة، ولو وكلك الله إلى نفسك لخسرت كل الخسارة والذين جاهدوا فيه فالنتيجة التي ذكرها الله على نفسه في محكم كتابه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] .
وعدٌ مؤكدٌ باللام والنون {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] ومؤكدٌ بالفعل المضارع الدال على التجدد والحدوث {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] .