طعنه في المسجد

كان من عادة عمر بن الخطاب في صلاة الفجر أنه يتقدم إلى المسجد، فيوقظ النائمين فيه ويقول: أيها الناس الصلاة الصلاة، ثم يتقدم الصفوف فيسويها، حتى إذا استوت تقدم فكبر، وكان أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة في ظلام الليل وفي ظلام المحراب، فما هي إلا لحظةٌ حتى كبر عمر رضي الله عنه وأرضاه، وشرع في القراءة، وكان من عادته أن يقرأ سورةً طويلة كسورة النحل أو سورة يوسف، حتى يجتمع الناس، فطعنه أبو لؤلؤة ثلاث طعنات كانت إحداها تحت سرته، فمزقت ثيابه ونفذت إلى جوفه، فخر صريعاً رضي الله عنه وأرضاه، يتشحط في دمه، وهو يقول: أكلني الكلب، أو قتلني الكلب، ثم أخذ عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف وكان وراءه، فجره ليكمل الصلاة بالمسلمين، فأما القريبون من عمر فقد رأوا مثل الذي رأى عمرو بن ميمون، وشهدوا مقتل عمر رضي الله عنه، وأما البعيدون فقد انقطع عنهم صوت أمير المؤمنين، ولم يعرفوا ما الخبر، فبدءوا يقولون في كل ناحيةٍ من نواحي المسجد: سبحان الله! سبحان الله! وتقدم عبد الرحمن بن عوف وصلى بالمسلمين صلاةً خفيفة، قرأ فيها سورتين قصيرتين، ثم سلم، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ ابن عباس: يا ابن عباس اذهب فانظر من قتلني، فيذهب ابن عباس ينظر ويتساءل، وإذا بالقاتل أبو لؤلؤة المجوسي واسمه فيروز.

فعاد وأخبر عمر رضي الله عنه، فيسر، ويقول: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على رجلٍ سجد لله سجدة، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على يد رجلٍ يشهد أن لا إله إلا الله، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على رجلٍ يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة.

ولماذا قتل أبو لؤلؤة المجوسي عمر رضي الله عنه؟ الأحداث القريبة تقول: إن أبا لؤلؤة كان غلاماً للمغيرة بن شعبة وكان صانعاً نقاشاً نجاراً يتقن كثيراً من الأعمال والمهن، فكان عمر يمنع العجم من دخول المدينة؛ حفاظاً على عاصمة الإسلام أن تكثر فيها العلوج، فغلبه المسلمون وأثروا عليه حتى أذن لبعض العبيد أن يدخلوا، وكان منهم هذا الغلام إذ بعث المغيرة بكتاب يقول له: إنه غلامٌ حائكٌ صانعٌ كاتبٌ، فأذن له عمر فدخل، فكان في يوم من الأيام يصنع شيئاً لـ عمر فقال: يا أمير المؤمنين كلم المغيرة بن شعبة يضع من خراجي، ويخفف عني، فقال: كم خراجك؟ قال: أربعة دراهم، قال: وما عملك؟ قال: أنا نجار وحدادٌ وكذا وكذا، فقال: إن هذا الخراج قليل، في جنب صنعتك التي تحسن، فقال هذا الغلام: قد وسع الناس كلهم عدل عمر إلا أنا، وأضمر في نفسه الشر لـ عمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015