الإسلام يقلب حياة عمر

انظر إلى الإسلام، وكيف صنع هذا الرجل، هذا الرجل لم يكن له في الجاهلية شأن، كان رجلاً من رجال قريش يسرح بالغنم ويؤوب ويقضي وقته في لهوٍ وشرب خمرٍ، لا يلتفت إليه أحد، ولا يعلم بوجوده أحد، فلما أسلم انقلبت كل ذرةٍ من ذرات شخصية عمر عن مكانها، وتكونت شخصيته بصورةٍ جديدة، وهذا يبرز لك أثر الإسلام، يسلم هذا الرجل على اختلافٍ في قصة إسلامه، فيعلن إسلامه في مكة، ويعمد إلى رجل هو جميل بن معمر الجمحي، وهو رجلٌ من قريش كان مشهوراً بنشر الأخبار، بل كان وكالة أنباء متنقلة، فيأتيه عمر كما في رواية ابن إسحاق بسندٍ حسن فيقول له عمر: هل سمعت وعلمت أنني قد أسلمت! لكن لا تخبر أحداً، فيخرج الرجل يجر ثوبه في أندية قريش، وهو يقول: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، وعمر بن الخطاب وراءه يكذبه: كذبت، ولكنني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فيجتمع إليه القرشيون يقاتلونه، ويضاربونه، ويضاربهم حتى يرتفع النهار وتزول الشمس أو تكاد، فيقعد عمر رضي الله عنه على الأرض من شدة التعب والإعياء، وهو يقول: يا أعداء الله، اصنعوا ما بدا لكم، تقاتلونني، أو تضربونني، أو تقتلونني، اصنعوا ما قد بدا لكم، فوالله لو قد بلغنا معاشر المسلمين ثلاث مائة نفر، لأخرجناكم من مكة، أو أخرجتمونا منها.

انظر أخي المسلم كيف غير الإسلام شخصية عمر رضي الله عنه، بين يومٍ وليلة يتحول عمر الرجل المخمور، بل عدو الإسلام الذي ينطلق ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما دنا من الصفا صفا ثم أصبح عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين.

هكذا يصنع الإسلام بالرجال؛ لكن نحن اليوم بل وكثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تجد الواحد منا عمره ثلاثون سنة أو أربعون سنة، أكثر أو أقل، وفلانٌ هو فلان، لا يشعر بأنه يزداد يوماً بعد يوم، ويتقوى في الإيمان، ويرتقي في مدارجه، بل إن لم يشعر بالنقص لم يشعر بالزيادة، ولذلك يقول ابن مسعود فيما يرويه مسلم في صحيحه: لم يكن بين إسلامنا وبين أن خوطبنا بهذه الآية ثلاث سنوات: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] } .

هكذا يقلب الإسلام شخصية عمر، فيقف هذا الموقف المتحدي: يا أعداء الله، اصنعوا ما بدا لكم، فوالله لو بلغنا ثلاث مائة رجل لأخرجناكم من مكة، أو أخرجتمونا، وتمر الأيام والليالي وعمر هو الساعد الأيمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، ثم يقبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم إليه فيستخلف المسلمون ويختارون أبا بكر رضي الله عنه، فكان عمر في يده سيفاً، إن شاء أن يسله سلَّه، وإن شاء أن يغمده أغمده، ثم يتولى عمر الخلافة بعد موت أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيصنع الأعاجيب ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء، وتدر الأرض خيراتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015