انظروا على سبيل المثال إلى المعتزلة وتقديسهم لمشايخهم، وأضرب مثالاً واحداً لذلك وهو واصل بن عطاء شيخ من شيوخ المعتزلة بل هو زعيمهم، أو عمرو بن عبيد، هذا الرجل كان تلاميذه يلتفون حوله ويعجبون به أشد الإعجاب، ومن ضمن هؤلاء التلاميذ المعجبين به شاعر اسمه صفوان الأنصاري، وقد قال قصيدة يمدح فيها شيخه ذكرها الجاحظ في كتاب البيان والتبيين، والذي يظهر أن الجاحظ إن لم يكن من الزنادقة فهو من غلاة المعتزلة، ولذلك يسترسل في مديحهم، والثناء عليهم، واسترسل هاهنا في مديح عمرو بن عبيد والثناء عليه، ويذكر وينسب إلى هذا الشاعر قصيدة جميلة في مدح شيخه والثناء عليه، يقول من ضمن الأبيات يقول: له خلف بحر الصين في كل ثغرة إلى سوسها الأقصى وخلف البرابرِ رجال دعاة لا يفل عزيمهم تهكم جبار ولا كيد ماكرِ إذا قال مروا في الشتاء تطوعوا وإن كان صيفاً لم يخف شهر ناجرِ فيمدح هذا الشيخ، ويصفه بأن له دعاة في أنحاء الدنيا، في بلاد المغرب، وفي بلاد الصين وفي غيرها فله دعاة في كل مكان، ويمدح هؤلاء الدعاة بأنهم رجال دعاة أقوياء، لا يؤثر في عزيمتهم سخرية الساخرين، ولا كيد الماكرين، وأن هؤلاء القوم إذا أمرهم شيخهم بالذهاب والسفر للدعوة والإصلاح في أي مكان أو في الشتاء في الصيف ذهبوا، ولم يؤثر فيهم وجود الحر أو جود البرد.
ويضحون في سبيل ذلك بهجر الأوطان والتكلف، ولذلك مدحهم بقوله: بهجرة أوطان وبذل وكلفة وشدة أخطار وكد مسافر فأنجح مسعاهم وأثقب زندهم وأورى بثلج للمخاصم قاهر وأوتاد أرض الله في كل بلدة وموضع فتياها وعلم التشاجر إلى أن يقول في آخر القصيدة واصفاً مجالس هؤلاء الطلاب عند شيخهم المبتدع يقول: تراهم كأن الطير فوق رءوسهم على عمة معروفة في المعاشر وسيماهم معروفة في وجوههم وفي المشي حجاجاً وفوق الأباعر إلى آخر ما قال.