المخرج من مأزق التلاوم

الحل في نظري لمثل هذا يكون في ثلاث نقاط: الأولى منها: هي ضرورة اعتراف المسلمين -وأخص أهل السنة؛ لأنهم هم المطالبون بأن يقوموا بالدور الصحيح في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وأن يكون لديهم جرءة في لوم النفس وتقريعها وتوبيخها، وبدلاً من أن نلقي باللائمة على غيرنا، لابد أن نتعود ونتجرأ على أن نعرف عيوب أنفسنا، ويكون لدينا إمكانية في نقد الذات كما يقولون.

وهذه درجة من الشجاعة يعز وجودها خاصة لدى من يُنظر إليهم، ويعجبني في هذا المقام كلمة قرأتها للشيخ محمد أمين المصري رحمه الله في كتاب له اسمه سبيل الدعوة الإسلامية في (ص:154) يقول بعدما تكلم عن التعليم في البلاد الإسلامية وما وصل إليه، قال رحمه الله وهو يتكلم عن نفسه: لقد قضيت عمري بين قاعات المدرسة، معلماً ومتعلماً، وإني وايم الله أجد أيامي هزيلة، ونفسي رخيصة، لم ترتق عن مرحلة الطفولة، ولم تبلغ درجة الرشد، ولم تذق معاني الرجولة، ولو طلب إلي أن أكتب تقريراً بشأن نفسي لقلت: أ/ إنه -يعني نفسه- ليس براض عن مستواه الإيماني، ولا يرى أن مثل هذا المستوى يمكن أن يحدث تأثيراً واضحاً في طلابه.

ب/ ليس براض عن عمله، ولا يؤديه وهو واثق أنه السبيل الذي يؤدي إلى نجاة الأمة، فلا المناهج، ولا الطرق، والنظم التي يتخرج بها الطلاب وبالتي تخرج للأمة رجالاً أبطالاً دعاةً، ولهذا -والكلام لا يزال للشيخ المصري رحمه الله- ولهذا فهو يعتبر نفسه -هو يقول عن نفسه هذا الكلام- أجيراً يعمل ما يرضي صاحب العمل في سبيل العيش، وربما يعجب كثيرون من هذا القول، إلى آخر ما قال رحمه الله.

فالحقيقة أن هذا الكلام بغض النظر أن البعض قد يتساءل ما الفائدة منه؟ أو ما أشبه ذلك؟ لكن أقول بلا شك: إن هذه درجة من الشجاعة يعز نظيرها خاصة بين المفكرين وقادة الفكر والعلم، أن يتكلم إنسان أمام الملأ وفي كتاب أو صحيفة بمثل هذا الكلام الذي فيه إدانة لنفسه، وذلك لأن الشيخ رحمه الله كثيراً ما يطرق قضية وهي أن مشكلة الأمة في أن كل فرد يلقي باللائمة على غيره، فضاعت المسئولية في حين أن المشكلة أصلاً فينا في أفرادنا.

نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا فلا بد أن يكون لدينا شجاعة على نقد أنفسنا؛ ونقد شخصياتنا، وتقويم مواقفنا، والاعتراف بالخطأ، وهذه الخطوة لا بد منها لتصحيح الخطأ، لأنه إذا كان الإنسان لا يعترف بخطئه فمن باب أولى أنه لن يصحح هذا الخطأ؛ لأنه صواب عنده، لكن إذا وصل إلى درجة الاعتراف بأنه مخطئ في الموقف الفلاني، ومقصر في المسألة الفلانية؛ حينئذٍ يمكن أن يصحح.

وهذه القضية لها جانب عكسي موجود عند كثير من الطلاب اليوم، وهو أنه يبالغ في تقريع نفسه وتوبيخها، مبالغة يستغلها الشيطان في إقعاد الإنسان عن الأعمال والخير.

وأعرف كثيراً من الإخوة الطلاب والمشايخ يقصر في كثير من الأمور؛ مع أنه مستعد لفعلها هذا، لكنه يقول: ليس أهلاً لذلك، وما وصل إلى هذا المستوى، ويشدد على نفسه حتى يحرم الناس من خير كثير، وهذا يصدق ما قاله بعض السلف، حين قال: ما من أمرٍ أمر الله به الإنسان إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى إفراط، وإما إلى تفريط.

إن قضية الاعتراف بالخطأ، والقدرة على تقويم النفس ومعرفة عيوبها هي في الأصل مطلوبة ولا بد منها، لكن قد تتحول إلى مرض إذا زادت عن حدها فتنقلب إلى ضدها.

الحل الثاني: هو ضرورة التفاف أهل السنة حول علمائهم المخلصين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015