موقف العز بن عبد السلام

موقف آخر، بل مواقف لـ عز الدين بن عبد السلام، المشهور بـ العز بن عبد السلام سلطان العلماء، إمام من أئمة المسلمين، اقرأ ترجمة هذا الإمام في طبقات الشافعية مثلاً أو غيرها، أو في الكتاب الذي كتبه الندوي عنه، وانظر نماذج من بطولات هذا الإمام.

كان في دمشق، وكان حاكم دمشق الملك الصالح إسماعيل، فتعاون هذا الرجل مع أعداء الإسلام، وأسلم إليهم بعض المدن، فغضب عليه الإمام العز بن عبد السلام، وعاتبه وقطع الدعاء له في الخطبة، وحرض العلماء على ذلك، ثم خرج من دمشق وتركها مهاجراً إلى غيرها، فمر ببعض المدن الصغيرة في الشام، فطلب منه بعض أمرائها أن يبقى عندهم، فقال: إن مدينتكم صغيرة على علمي، والإنسان العالم كـ العز بن عبد السلام يجب أن يعرف قدر علمه، وذهب إلى مصر وكان فيها الملك الصالح أيوب، فاستقبله وأكرم مثواه.

وكان للعز بن عبد السلام مواقف في منتهى القوة، وأقرب إلى العجب، ولعل منها الموقف المشهور له، والذي ذكره أيضاً السبكي في الطبقات، قال: إن الملك الصالح جاء في يوم عيد وكان يحف به الأعوان، والشرط، والخدم، والحشم، بل والأمراء الصغار وغيرهم يقبلون الأرض بين يديه كما جرت عادتهم بذلك.

فلم يرض العز بن عبد السلام بهذا المشهد، وخاف على السلطان أن يتعاظم ويصيبه شيء من العجب والخيلاء، إضافة إلى أنه رأى منكراً يجب تغييره، فوقف بكل ثبات وقوة ورجولة في طريق السلطان، وقال له: يا أيوب! -هكذا كلمة مجردة ليس قبلها شيء ولا بعدها شيء، لا ألفاظ تفخيم وتبجيل، ولا دعاء ولا شيء، باسمه الذي سماه به أبوه- فالتفت السلطان، وقال: نعم يا سيدي أو نحو هذه الكلمة، فقال له: ما جوابك أمام رب العالمين إذا سألك وقال لك: إنني وليتك أمر عبادي ورقابهم وأموالهم فما قمت بما ائتمنتك عليه، فقال له السلطان: ما الأمر أيها الإمام؟ فقال العز بن عبد السلام: إن في مكان كذا وكذا حانوتاً يباع فيها الخمر، فقال له السلطان: يا سيدي هذه من عهد أبي -الحاكم قبله-.

فهز العز بن عبد السلام رأسه، وقال: إذاً أنت من الذين يقولون: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] فقال: أعوذ بالله، أعوذ بالله، وأمر بها حالاً فغيرت وأزيلت.

وخلا العز بن عبد السلام بتلاميذه بعد هذه الحادثة التي لا شك أن الناس كانوا يتناقلونها، وكانت تغرس للعز بن عبد السلام مكانه طيبة في نفوسهم، وتجعلهم يشعرون بأن هؤلاء العلماء يستحقون أن يقف الناس إلى جوارهم، سأله أحد تلاميذه وهو الباجي، فقال له: بعد أن دعا له قال له: أيها الشيخ، كيف جرؤت أن تخاطب السلطان بهذا الجفاء، وبهذه القوة؟! قال: يا بني! إني تخيلت عظمة الله عز وجل فصار السلطان أمامي كالقط، ورأيت ما حوله من الخدم والحشم فخشيت أن تغلبه نفسه، فأردت أن أضع من قدره، فالرجل ينظر إلى مصالح، فالمنكر الأعظم هو أن يزهو السلطان بنفسه وبمن حوله ممن يزينون له ما هو فيه، وقد عالجه العز بن عبد السلام بخطابه بهذا الأسلوب الذي يناسب الموقف، والمنكر الآخر هو وجود حانوت يباع فيه الخمر.

وللعز بن عبد السلام مواقف كثيرة جداً مع السلاطين لا يتسع المجال لذكرها فأقرءوها في ترجمته وهي فعلاً أقرب إلى الأسطورة، ولذلك استحق أن يسميه المترجمون المتقدمون بسلطان العلماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015