لا يمكن أن نتجاهل في هذا المقام مواقف عظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأخص منها في هذا المجلس ما يتعلق بإنكار المنكرات الكبرى التي يقف وراءها أناس ذووا قدر ويصعب على الدهماء أن يغيروها، فقد جاء التتر إلى بلاد الشام، وغزوها وأهلكوا الحرث والنسل، وخاف الناس منهم حتى العلماء، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الولاة في مصر، والتقى بالسلطان هناك، وأظنه محمد بن قلاوون، فتكلم معه بكلام قوي أعجب العلماء كـ ابن دقيق العيد وغيره، وكان من ضمن ما قال له، كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية وغيره، أنه قال له: لو قدر أنكم لستم أنتم حكام مصر، واستنجد بكم أهلها، وقد غزاهم هؤلاء الكفرة، لوجب عليكم إغاثتهم ونصرتهم، فكيف وأنتم حكامه وولاته وقال له: إذا تخليتم عن الشام فإننا نقيم له من يحوطه ويحميه في زمن الشدة، ويستغله في زمن الأمن، أما أن تكونوا يا أمراء المماليك تستغلون بلاد الشام في زمن الأمن وتأخذون خيراتها، فإذا جاءت الشدة ابتعدتم عنه، فهذا ما لا يكون.
وحرض هذا السلطان على الغزو ووعده بالنصر حتى تحرك هذا السلطان وخرج بجنده، وانتصر المسلمون على التتار كما هو معروف، وكان لـ ابن تيمية مواقف كثيرة مع السلاطين غير هذه.