البحث عن الأسباب التي تحول دون الهداية

النصيحة الثانية: أن ينظر العبد في الأسباب التي تحول بينه وبين هداية الله تعالى وذلك أن الهداية موجودة في القرآن محفوظة {إِنَّا نَحْنُ نزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] .

فالهداية موجودة، بحث عنها يهودي فوجدها، وبحث عنها نصراني فوجدها، وبحث عنها بوذي فوجدها، وبحث عنها هندوسي فوجدها، وبحث عنها وثني فوجدها، واهتدوا بهداية الله تعالى، ووصلوا إلى طريقه، وآمنوا به، فكيف تعز هذه الهداية على إنسانٍ يعيش في مجتمع مسلم، وولد من أبوين مسلمين، ونشأ في بيئة صالحة؟! إلا أن يكون هناك سبب يحول بينه وبينها.

الهداية إذاً موجودة ومبذولة، والله تعالى قد أقام الحجة على عباده: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ويقول الله عز وجل عن المشركين وهم يعذبون في النار يوم القيامة قال: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10-11] .

فهم اعترفوا أنهم أهل لهذا العذاب مستحقون له جديرون به، ولم يتعذروا بأنه لم يبلغهم شيء، أو أنه حال بينهم وبين الهداية حائل، أو منعهم منها مانع!!، كلا، بل اعترفوا كما ذكر الواحد الأحد، جل وعلا، في محكم تنزيله: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) وأنهم جديرون بهذا العذاب مستحقون له، حتى إنه لا يدخل النار أحد قط، إلا وهو معترف بأنه من أهل النار، وأنه مستحق لها ليس في الدار الآخرة أحد يدخل النار وهو يصيح يقول: ربِّ إني مظلوم، نعم، هذا حاصل في الدنيا، فقد يقتل شخص في الساحة وهو يصيح يقول: أنا مظلوم، وقد يجلد شخص وهو يصيح يقول: أنا مظلوم، وقد يسجن وهو يقول: أنا مظلوم، ومن الممكن أن تقطع يده وهو يصيح أنا مظلوم.

أما في الدار الآخرة فهذا الصياح والصراخ لا تجده!!، كل إنسان لا يدخل النار إلا وهو مقتنع بأنه مستحق لهذا العذاب مهما كان هذا العذاب شديداً، وعظيماً وفظيعاً ومهيناً ورهيباً لا تتصوره العقول، ولا يكاد الإنسان أن يدركه، ومع ذلك كله لا يدخل النار أحد إلا وقد أعذر من نفسه، وعرف أنه مستحق لهذا العذاب، وهذا من كمال عدل الله تعالى.

وقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) إذاً: هم عطلوا آذانهم، (أو نعقل) فعطلوا عقولهم أيضاً عن طلب الهداية (ما كنا في أصحاب السعير) فاعترفوا بألسنتهم وقلوبهم ظاهراً وباطناً، (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) إذاً الهداية موجودة فلتنظر ما هو المانع الذي يحول بينك وبينها؟! أيضاً الأمر الآخر: أن الفطرة موجودة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في الحديث المتفق عليه {ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه} .

وأنت أيها الأخ الكريم ذكرت لنا في سؤالك أن والديك من أهل الخير والصلاح، وأن أسرتك متدينة وأن ما حصل لك لم يكن لسوء التربية فيه دورٌ كما ذكرت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015