الموعظة الخامسة الحوادث: وما جبلت عليه هذه الدنيا من التقلب والتغير، سواء للأفراد، أو للأمم، للجماعات من الأحياء، أو من الأموات، والسعيد فيها من وُعِظ بغيره، والشقي من وُعِظ به غيره، الشقي من شقي في بطن أمه.
حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرارِ ما إن يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبارِ جبلت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدارِ ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نارِ وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هارِ فاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفراً من الأسفارِ وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عوارِ وقد نادت الدنيا على الناس بأعلى صوتها، وهي تقول كما قيل: هي الدنيا تقول بملء فيها حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي فلا يغرركم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي هل تنتظر أن تنزل بك المصيبة لتعتبر؟! في أي قرن أنت؟! ومن أي جيل؟! الأرض الذي وطئتها ماذا تقول لك؟! لو سمعتها لوجدتها تقول:- صاحِ هذي قبورنا تملء الرحب فأين القبور من عهد عادِ خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ رُبَّ قبر قد صار قبراً مراراً ضاحك من تزاحم الأضدادِ ودفين على بقايا دفينٍ في خفايا الأحقاب والآمادِ هؤلاء الأغنياء افتقروا الشرفاء اتضعوا، الملوك ماتوا، أو قتلوا، أو طردوا، أين فرعون؟! أين هامان؟! أين قارون؟! أين النمرود؟ أين أبو جهل؟! أين ماركس؟ أين لينين؟! أين تيتو؟ 1 أين جمال عبد الناصر؟! أين السادات؟! أين بوظياف؟! أين فلان؟! أين فلان؟! طحنتهم الدنيا فأصبحوا كأن لم يكونوا.
آيات الله تعالى في الكون وفي النفس {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:185] وفي الصحيح: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في آخر الليل إلى شِنٍ معلقة فتوضأ، ثم قرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191] } .
وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر} وفي هذا العصر تفتق العلم عن إنجازات كشوفات عظيمة، حيث ارتاد آفاق الكون، والنفس، وأصبح بمقدور الإنسان أن يعرف الكثير الكثير من بديع صنع الله عز وجل، فليستفد الإنسان من هذا ويعتبر به ليكون سبباً واصلاً إلى الله عز وجل ليس في الإيمان بوجوده فحسب، بل بالإيمان بوجوده، وفي معرفته بأفعاله جل وعلا وفي تعظيمه، وفي التقرب إليه بالطاعات.