الدنيا مليئة بالشهوات التي يتخطاها العبد، فإذا تخطى شهوة وقع أمام ناظريه أخرى، قال بعض السلف: [[الكفر في أربعة أشياء: في الغضب، والشهوة، والرغبة، والرهبة، ثم قال: وقد رأيت منها اثنتين، رأيت رجلاً غضب فقتل أمه، ورأيت رجلاً عشق فتنصر]] هذا أثر الغضب، وهذا أثر الرغبة في القلب، ومثله الرغبة والشهوة، فإنها تجر إلى أشد من ذلك.
قال الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:11-12] قال بعض المفسرين: بما صبروا عن الشهوات.
الشهوة لم تتبرج مثلما تبرجت في هذا العصر، فأصبحت تَرَى في المكتبة أعداداً غفيرة من المجلات، التي تتاجر بصورة المرأة الجميلة، وهي في عز شبابها، وقد قدمت لها الصورة الملونة التي إذا رآها الشاب المراهق افتتن بها وتأثر، فأغلقت عليه منافذ التفكير، وغاب العقل، وحضر الهوى والشهوة، فأصبح الإنسان ينظر ويتملى، ثم قد يجره ذلك إلى ما بعده.
الأفلام الخليعة الماجنة التي أصبحت ليست صورة جامدة أمام الإنسان، بل صورة متحركة! كأنها تحكي الواقع بكل تفاصيله، وهي تقول للإنسان: هيت لك! يختارون لها أجمل النساء وفي أبهى الثياب، وبحركات خليعة تنخلع لها قلوب ضعاف النفوس وقصار النظر، ثم معها الأصوات العذبة، الجميلة، المؤثرة، ومعها الكلمات الهامسة المحركة لساكن الشهوة، وأصبحت هذه الأشياء في عرف الكثيرين مما لا ينكر! فأنت إذا قلت: هذا فيلم خليع، ترامى إلى نظر البعض الأفلام المتعلقة بالرذيلة العارية، وتصوروا أن الأفلام المسموحة المباحة قانوناً ونظاماً ليست داخلة في هذا الباب، ولا أدري أي شئ بقي بعد أن عرض الرجل والمرأة على سرير واحد، وعرضت المرأة ليس عليها ما يسترها أو يغطيها، إلا ما يستر سوءتها فحسب؟! وربما تلبس ما يزيدها إثارة، وحسناً، وجمالاً! وماذا بقي بعدما أصبح الرجل يتحدث إلى المرأة، كما يتحدث الرجل إلى زوجته وهما في المخدع؟! فكل ذلك مما سلط على الإنسان لاستثارت كوامنه، وليتحقق فيه معنى الابتلاء {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:2] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ً) [الملك:2] .
وأشد من ذلك البث المباشر الذي تحدثت عنه سابقاً، وتحدث عنه غيري، وهو الآن يقرع نواقيس الخطر على أبواب المسلمين، فيتلفت الناس ويصابون بما يصابون به، فهاهنا نقول لهم: كل ما يقضيه الله تعالى ويقدره للمؤمنين فهو خير، دع الناس يتمحصون، ويتمحضون، ويتبين منهم الصادق من الكاذب، والمؤمن من الفاجر، والتقي الورع من المقبل على المعاصي، لا ينكف عنها إلا خوفاً منها، أو عجزاً عنها.
انظر إلى الجمال الذي ظهر في هذا العصر كما لم يظهر من قبل، الرذيلة التي تيسرت زماناً ومكاناً، حتى أصبحنا نجد الإعلانات عن السفريات والتسهيلات للشباب في الصحف صباح مساء، وهي تدعوهم إلى قضاء أوقات إجازاتهم في أماكن الفساد، وفي الفنادق، وفي المخيمات، والمعسكرات، بل وتتيح لهم في بلادهم من ذلك ما لم يكن متاحاً لهم من قبل، وتعلن لهم التيسير، والتسهيل، والتخفيض وغيره! انظر إلى الأصوات، انظر إلى المآكل المحرمة اليوم، وقد أصبحت في متناول الإنسان في بيته، وسوقه، والمتجر، وفي كل مكان! انظر المشارب المحرمة، والمناظر المغرية، إلى غير ذلك مما تبرجت به الشهوة في هذا العصر، كما لم تتبرج من قبل، وأصبحت سهاماً موجهة إلى قلوب الناس، هذه الأشياء كلها تخاطب القلب، وتهز الوجدان، وتحاول أن تزلزل وتزعزع الإيمان فيه.