أولاً: القيد الأخلاقي للحقوق والحريات في الإسلام، فالإسلام دين نزل من السماء يقوم عليه سلطان يحميه ويحرسه في الأرض، فليست الأعراف والتقاليد والعادات هي التشريع ولا مصدر التشريع، وليست الأمة هي مصدر السلطات -أي مصدر التشريع- كما هي الحال في بعض النظم الديمقراطية.
فرعاية الأمر الشرعي أمر لا خيار فيه، فعلى سبيل المثال: جسد المرأة، لا يجوز أن يكشف من جسد المرأة ما لم يأذن الله تعالى بكشفه بحجة الحرية الشخصية، وأيضاً منع الاختلاط -اختلاط الجنسين- لا يجوز الإذن به بحجة عدم التفرقة العنصرية كما هو معروف دولياً.
ونحن نجد أن هذا الأمر موجود عند الغرب ولكن بصورة أخرى، فإذا كان المسلم مطالباً باحترام الإسلام، فإن الغرب يطالب باحترام الأعراف والتقليد والعادات، وقد أقيم في دولة من أكثر الدول انفلاتاً وهي فرنسا، أقيمت دعوى ضد إحدى الشركات التي عرضت فيلماً سينمائياً فيه كثير من التفسخ اللاأخلاقي الفاضح، أقيمت الدعوى ونظرت المحكمة وقررت معاقبة الشركة كما قررت توجيه اللوم والعتاب إلى محافظ تلك المدينة أو تلك القرية وقالت له: كما أنه مطلوب منك المحافظة على الإدارة، كذلك مطلوب منك المحافظة على أخلاقيات الناس وعدم السماح بعرض ذلك الفيلم بالنظر إلى الظروف المحلية للبلدة والتقاليد التي كانت تحكمها.
إذاً: هي فعندهم تقاليد وعادات، أما عندنا في الإسلام فهي أحكام وتشريعات نزلت من عند الله ولا حيلة لأحد فيها {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] .
مثل آخر: من حق المرأة والرجل العلاج، لكن هذا العلاج يجب أن يتم في جو محتشم تحفظ فيه الحرمات وتصان فيه الحقوق، ويمنع فيه الاعتداء على الإنسان رجلاً كان أو امرأة، أما أن تضع لي مستشفيات مليئة بألوان التفسخ والاختلاط والانحلال والتواجد النصراني وغير ذلك ثم تطالبوني أن أمرض زوجتي فهذا أمر صعب، وقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: {يا رسول الله، إني أصرع، فادعُ الله لي.
فقال لها: إن شئت دعوت الله تعالى لك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فقالت: أصبر يا رسول الله، ولكني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله تعالى لها أن لا تتكشف إذا صرعت} .
ففي هذا المثال يبدو في المجتمع المسلم أن العناية بحفظ أمر العورة لا يقل أهمية عن العناية بالصحة، وكلاهما من الحقوق التي يجب على المسلم العناية بها، وواجب على كل ذي أمر من المسلمين أن يهيأ للمسلمين الفرص التي يكون فيها العلاج بعيداً عن كشف العورات وانتهاك الحرمات، كما أنه من الواجب على كل ذي أمر من المسلمين أن يسعى إلى تربية المسلم ذكراً أو أنثى على احترام هذه العهود والمواثيق الربانية.