أما السبب الثالث فهو: أن هذه الحقوق كانت سبباً لحوادث تاريخية جسيمة، فربما انتهت المطالبة بحقوق الإنسان -أحياناً- إلى انتفاضات سياسية أو اجتماعية، أو ثورات عارمة تأتي على الأخضر واليابس، أو نهضات فكرية أو نصوص تشريعية ودستورية، فضلاً عن مواثيق ومعاهدات دولية.
وإن الحديث عن هذه الحقوق -حقوق الإنسان في مجتمع ما- يعد ظاهرة صحية للغاية تدل على وعي هذا المجتمع وعلى تماسكه، لقد كانت الكثير من الدكتاتوريات المتسلطة على رقاب الشعوب عبر التاريخ كانت تميل إلى التسلط والفردية والاستبداد والأثرة، وتعتقد أن إعطاء الإنسان حقوقه أو بعض حقوقه أنه يهيئ له الفرصة للتمرد على الحكام ومقاومتهم ومحاولة التخلص منهم، هكذا يظنون! ولكن تجارب التاريخ أثبتت نقيض ذلك تماماً، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن القيود والأغلال التي تكبل بها الشعوب والأمم لا تزيدها إلا رغبة في التحرر والانطلاق، على حين أن تمتع الشعوب بحقوقها المشروعة وحرياتها المشروعة يدفعها دفعاً إلى الاستقرار والتقدم، ويحميها من التمزق والانشطار الذي كثيراً ما يقع بسبب الاعتداء على مصالح الفرد أو مصالح الجماعة من قبل أقلية تحكم وتهيمن وتسيطر.