السبب الثاني: أن هذه الحقوق -حقوق الإنسان- قد أخذت بعداً عالمياً واسعاً عريضاً، فمنذ أن صدر ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ووقعت على هذا الميثاق جميع الدول بلا استثناء، ثم صدرت ملاحق أخرى له تهتم ببيان حقوق الإنسان الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإعلامية أو التعليمية أو السياسية أو غيرها، وهي الأخرى حظيت بتأييد غير قليل من دول العالم كلها شرقيها وغربيها.
فأصبح العالم اليوم يتحدث عن حقوق الإنسان حتى أمريكا، أمريكا التي تعاني بذاتها من التفرقة العنصرية، وأمريكا التي شهدت اضطرابات طويلة عريضة بسبب الاعتداء على حقوق من يسمونهم بالسود، حتى أمريكا تتحدث عن حقوق الإنسان، وتتذرع بهذه الحقوق إلى ما تريد، فهي تتدخل هنا أو هناك بحجة حماية حقوق الإنسان، أو رفع الظلم والاضطهاد عن المظلومين، إذاً أصبحت حقوق الإنسان أحياناً ألعوبة يتذرع بها الأقوياء للسطو على الضعفاء، وأصبحت ذريعة للعالم الغربي لتحقيق مآربه وأهدافه في الهيمنة على بلاد المسلمين -مثلاً- أو ابتزاز خيرات أرضهم نفطاً واقتصاداً، أو السيطرة على مقدرات بلادهم، أو القضاء على خصوم الغرب، كل ذلك يتذرعون إليه باسم حماية حقوق الإنسان والثأر للمظلومين.
هذا العالم الخاسر الكافر الذي لم يتورع عن أن يدفن ما يزيد عن ثمانين ألف إنسان وهم أحياء -وهو يضحك ويبتسم- اليوم ينادي ويتكلم باسم حقوق الإنسان المظلومة والمهضومة.
إذا كان الغرب اليوم يتكلم باسم حقوق الإنسان فإنه لا يعرف عن الإسلام إلا ثلاث مسائل: المسألة الأولى: مسألة تعدد الزوجات، وأن الإسلام أباح تعدد الزوجات.
المسألة الثانية: مسألة الرق والاسترقاق.
المسألة الثالثة: مسألة الجهاد والقتال.
وبناءً عليه يصور الغرب الإسلام على أنه دين أهدر حقوق الإنسان، فأهدر حقوق المرأة يوم سمح للزوج بأن يأخذ عليها أخرى وثالثة ورابعة، وأهدر حقوق الإنسان يوم رضي أن يكون عبداً رقيقاً يستخدم ويباع ويشترى، وأهدر حقوق الإنسان يوم أذن بقتاله وسفك دمه، هكذا تصور الحضارة الغربية الإسلام، وبناءً عليه كان لابد أن نتكلم عن حقوق الإنسان في الإسلام لنبين أي مستوى من الكرامة رفع الإسلام إليها هذا الإنسان الكريم.