مصعب بن عمير

المثال الأول: ما رواه البخاري ومسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: {خرجنا في سبيل الله نبتغي ما عند الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، ومنا من مات لم يأخذ من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه وقد قتل يوم أحد فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا بردة قصيرة -أو ثوباً قصيراً- إن غطينا به رأسه ظهرت رجلاه، وإن غطينا به رجليه ظهر رأسه، فأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نغطي به رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر} .

هذا الصحابي المضحي الباذل في سبيل الله والذي تعرفون كيف كانت حياته في مكة من الترف والنعيم، وكانت أمه تلبسه أحسن الثياب وتطعمه أحسن الطعام؛ حتى إنه كان إذا مشى في الشارع شمت الفتيات في بيوتهن طيبه من مسافة بعيدة، وحتى إنها كانت تضع الطعام عند رأسه وهو نائم ليأكل كلما استيقظ، وكان شاباً مدللاً كما نعبر، فلما أسلم تحول هذا النعيم إلى حد أن هذا الشاب الذي لم يتعود على شظف العيش يهاجر إلى الحبشة في بلد الغربة؛ ويجد فيها من اللأواء والتعب ومشقة الغربة ما يجد، ثم يعود مرة أخرى، ثم يهاجر، إلى المدينة قبل المهاجرين وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم، يعلَّم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام، ويدعو أهل المدينة أيضاً، وكان يسمى المقرئ، ثم يستشهد بعد فترة قليلة من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يتمتع طويلاً بصحبته صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد ما أعز الله الإسلام ودون أن تينع له ثمرته، كما يعبر خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه، وقد كانت قصته كما تعرفون أنه يحمل الراية فتقطع يده اليمنى فيحملها باليسرى فتقطع، ثم يضمها بعضديه إلى صدره ثم يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] فهذا أنموذج حي عظيم من نماذج خريجي المدرسة النبوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015