حيث نجد في قضية الزواج صعوبات، من أكثر من طرف، ففيما يتعلق بالمرأة نفسها أصبح لديها شعوراً بأن الزواج يجب أن لا يتم إلا بعد أن يتقدم بها العمر، فهي أولاً: لا زالت صغيرة، وقد يصورون لها أنها لا تزال في مرحلة الطفولة، مع أننا نجد كثيراً من النسوة في الجيل الماضي تزوجت وهي بنت خمس عشرة أو ست عشرة أو سبع عشرة سنة، وأهل هذا الزمان اليوم يعتبرون امرأةً بهذا السن لا زالت طفلة صغيرة، ليس لديها خبرة، وأن أحداً لا يمكن أن يفكر بأن يأخذ بنتاً بهذا السن، ثم بعد أن تدخل البنت إلى الجامعة ترى أن الزواج يعرقل الدراسة، فلا بد من إكمال الدراسة قبل ذلك، فإذا تخرجت أصبح من غير الممكن أن تستلم الشهادة بعد أن تعبت فيها، لا بد أن تنتظر فترة حتى تعود إليها صحتها بعد جهد الدراسة، ومن أجل أن تتوظف بهذه الشهادة التي تعبت من أجلها سنة أو سنتين على الأقل، وعلى انتهاء هذه الأشياء يكون عمرها ربما خمساً وعشرين سنة، والشاب الذي يتخرج من الجامعة وعمره ثلاثاً وعشرين سنة إن لم يكن تزوج خلال الجامعة، فهو بعد الجامعة مباشرة سيتزوج، وهو يبحث عن من تكون أصغر منه -على الأقل- بسنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، فتجد أن هذه المرأة قد تعداها قطار الزواج، وأصبحت تنتظر على غير جدوى، فبعد فوات الأوان تصحو، وتقدم شيئاً من التنازل في غير أوانه، فلا تجد من تريد، ثم تتنازل مرة أخرى وثالثة، حتى إنها قد تقبل -مثلاً- برجل متزوج، أو تقبل بإنسان لا تتوفر فيه الشروط، لكنها لا تجد مثل هذا، لأن هؤلاء وجدوا غيرها.
إن هذه المشكلة، أوجدت عندنا كثيراً من النساء في سن السابعة والعشرين إلى الثلاثين وأكثر من ذلك لم يتزوجن، ومثل هذا مؤسف جداًَ من عدة وجوه: - من جهة لأن المرأة التي تدمر المجتمع هي: المرأة التي لم تجد طعم الأمومة، والتي حُرمت من الأمومة، ومن هؤلاء الأطفال الذين يملئون عليها حياتها، هي المرأة التي تدمر المجتمع، ولو بحثت عن تاريخ أي امرأة كان لها تأثير سلبياً في مجتمعها؛ لوجدت أنها تلك المرأة التي فقدت الحنان في طفولتها، وفقدت الأمومة في كبرها، أو فقدت أحدهما.
- ومن جهة ثانية: فإن المرأة مهما رفضت الزواج في سن معين، فإن هذه الغريزة والشهوة مركبة فيها كما هي مركبة في الرجل، وهذه الشهوة غير قابلة للتأجيل، فهي تتحرك وتدعو المرأة وتحرضها، فإمَّا أن تقع المرأة في الحرام، أو تقع ضحية لكثير من الأمراض النفسية؛ بسبب شعورها بأنها لم تستجب لهذا النداء الداخلي المركوز في فطرتها.
وهناك عقبات تعترض الزواج ليس من المرأة نفسها، بل من المجتمع، فالأب له مزاج وطلب، والأم لها مزاج وطلب، والإخوة لهم آراء خاصة في موضوع الزواج، وفي كثير من الأحيان قد يتقدم للفتاة خاطب واثنان وثلاثة، ويُردُّون دون علمها، وقد يكونون هم أكْفَاء، وبالمقابل قد تُكْرَه الفتاةُ بطريقة أو بأخرى على الزواج من رجل لا تريده، وهذا سبب لكثير من المشكلات، وربما يكون من أهم أسباب الطلاق، وهو أمر لا يجوز في الشريعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر باستئذان البكر، ونهى عن إكراهها، وحكم للبكر التي زُوِّجَت بغير رضاها بِرَدِّ نكاحِها، وهذا يخالف مصلحة المرأة نفسها، ويخالف أصول الشريعة، فإذا كان الأب ليس من حقه أن يتصرف في قدر قليل من مال المرأة إلا بإذنها، فكيف يتصرف في جسدها، وفي أعز ما عندها بغير إذنها، هذا أمر لا يسوغ لا عقلاًَ ولا شرعاً.
فتأخير الزواج له آثار وخيمة على المرأة، ومهما كانت أسبابه، فإن الواجب أن تدرك المرأة المسلمة، ويدرك الشاب المسلم ويدرك أولياء الأمور؛ بأن الزواج قضية حيوية غير قابلة للتأجيل، ولله در ذلك الصحابي الذي كان في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة تهدي نفسها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنظر فيها، فكأنه لم يقبلها عليه الصلاة والسلام، فقال هذا الرجل: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال له: {هل عندك مهر؟ فذهب يبحث فلم يجد شيئاً، فقال: التَمِسْ ولو خاتماً من حديد فذهبَ ولم يجد خاتماً من حديد، قال: يا رسول الله! ليس عندي إلا إزاري هذا -ليس عنده إلا ثوبه، يريد أن يعطي المرأة نصفه مهراً- فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتَها إزارَك بقيتَ، ولا إزار لك ثم أنكحه إياها بما معه من القرآن} أي: على أن يعلمها القرآن، لقد أدرك هذا الرجل بأن قضية الزواج مهمة إلى حد أنه مستعد أن يتخلى عن نصف ثوبه من أجل تحصيل الزواج.
وكثير من الناس اليوم، وخاصة الفتيات تجد أنه يتقدم الرجل الكفء، فترفض مجرد التفكير في الزواج لعدة اسباب، منها: أنه قد يحجزها عن مواصلة الدراسة، أو أنها تريد أن تتوظف، أو لأي سبب آخر، ولا تصحو إلا بعد فوات الأوان، وهذه مشكلة لها آثارها السلبية في المجتمع -كما أشرتُ-.
وبعد أن يتحقق الزواج توجد أيضاً مشكلات، من أهمها: