الآمال الطويلة قبل الزواج

إن المرأة، وكذلك الشاب قبل الزواج يبنون قصوراً من الآمال والمثاليات والخيالات، فتجد الشاب يتصور في ذهنه صورة امرأة قد جمعت الحُسن من أطرافه، متدينة، ومثقفة، وعاقلة، وذات أخلاق عالية، وسمحة مقبولة، ويتصور كل ما يخطر في باله من صور الكمال، ويضعها في ذهنه لهذه المرأة، والمرأة على النقيض، تضع من ذلك في ذهنها صورة لهذا الرجل الذي تريد، وفيه كل ما يخطر على البال من صور الكمال، والجمال، والدين، والعقل، والخلق، والغنى إلخ ويتصور الطرفان أيضاً حياة الزوجية، وما فيها من سعادة، وأُنْس، ولذة، وغير ذلك.

فإذا حدث وحصل الزواج نزلوا إلى ميدان الواقع، فبدأت هذه الصورة المثالية تتبخَّر، وهي لا بد أن تتبخَّر، لأنها -أصلاً- صورة مثالية غير واقعية، فبدأت تتبخَّر شيئاً فشيئاً، وبدأ الطرفان يصحو كل واحد منهما على وجود بعض المشكلات التي تعكر صفو العلاقات الزوجية، وما تزال هذه المشكلات تكبر، حتى ربما أدت إلى فصل عُرى هذه العلاقة.

ومن الوسائل التي كثيراً ما تؤدي إلى سوء العلاقة بين الزوجين: ما يحصل من مقارنة لدى كل منهما، فالمرأة مثلاً تجلس مع بعض قريباتها، أو صديقاتها، أو قريبات الزوج، فيجري الكلام مِن قِبَل كل واحدة منهن عما يقع لها في بيتها، فبطبيعة الحال المرأة تريد أن تُظْهِر لدى الأخريات، أنها محظوظة وأنها موفقة في زواجها، فلا تذكر في المجلس إلا الجوانب الإيجابية، أن زوجها اشترى لها كذا، وذهب بها إلى مكان كذا، وقال لها كذا، وقد تذكر الحق وغير الحق، وتضيف إلى الواقع أضعافه، حتى تظهر أمام الأخريات على أنها امرأة موفقة في زواجها، وهذا يدل -بطبيعة الحال- على أنها ذات أخلاق، وأنها امرأة تُحْسِن معاملة الزوج، وكل واحدة تقوم بهذه التمثيلية مع الأخريات، مع أن الواقع أن كل واحدة منهن لديها مشكلات قد تكون كبيرة، لكنها لم تذكر، فترجع كل واحدة إلى بيتها تعض إصبع الندم، وتقول: -مع الأسف الشديد- كل هؤلاء النسوة اللاتي جلستُ معهن يعشن حياة سعادة وأنس مع أزواجهن إلا أنا، وكل واحدة تقول الكلام نفسه، في قرارة نفسها، والزوج يجري له نفس العمل، فهو يجلس مع أصدقائه، فيشعر أن كل واحد منهما سعيد في زواجه، وقد يذكر بعضهم قضايا معينة تدل على وجود السعادة الزوجية، فيشعر كل واحد بأنه هو الوحيد الذي لم يوفق، نتيجة المقارنة.

وهذه المقارنة غير صحيحة؛ لأنكَ إذا قارنتَ بين زوجتك وبين الزوجات الأخريات، أو أنتِ أيتها المرأة إذا قارنتِ بين زوجكِ وبين الأزواج الآخرين، هذه المقارنة غير صحيحة؛ لأنك تقارن وضعاً وحالاً تعرفها معرفة تامة داخل البيت، فأنت تعرف زوجتك معرفة تامة، وتعرف العيوب والأخطاء والسلبيات، في حين أنك لا تعرف من نساء الآخرين إلا ما يُذكر لك من الجوانب الإيجابية، وكذلك المرأة تعرف زوجها معرفة تامة، وتعرف أخطاءه وسلبياته وإيجابياته -أيضاً- لكنها لا تعرف عن الأزواج الآخرين إلا ما تسمعه من زوجاتهم، وهي -غالباً- نواحي إيجابية.

ولذلك في الحديث في صحيح البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها: أن إحدى عشرة امرأة في الجاهلية اجتمعن، وتعاقدن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فبدأت كل واحدة تذكر حالها مع زوجها، ولا أريد أن أذكر الحديث؛ لأنه طويل، والمقصود أن هؤلاء النسوة يعرفن بأن كل امرأة تمثل حين تتحدث عن وضعها مع زوجها، فلا تذكر الحقيقة، وإنما تذكر تمثيلاً، تخادع به الآخرين في الغالب، ولذلك اتفق هؤلاء النسوة على أن يكن صريحات ولا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.

ولذلك كانت النتيجة مؤلمة، كانت (واحدة) تقول -مثلاً-: (الأولى) تقول: (زوجي العشنق إن أسكُتْ أُعَلَّقْ وإن أنطق أُطَلَّقْ) .

(الثانية) تقول: (زوجي عياياء غياياء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جَمَعَ كُلَّاً لك) .

(الثالثة) تقول: (زوجي لا أذكًرُهُ إني أخافُ ألاَّ أذَرَهُ إن أذكُرُهُ أذكر عُجْرَهُ وبُجْرَهُ) و (الرابعة) و (الخامسة) و (السادسة) إلا (الحادية عشرة) وهي: أم زرع، فقد ذَكَرَتْ زوجَها ومكانتها عنده، وأنه أعطاها من كل شيء، فأثنت عليه، ثم ذكرت أنه طلقها، فنكحت بعده رجلاً آخر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: {كنتُ لكِ كـ أبي زرع ٍ لـ أم زرع} .

فالمقصود: أن كل حياة زوجية لا تخلو من وجود بعض مشكلات ومُنَغِّصات، فعلى الزوج والزوجة أن يكونا واقعيَّين، ويتعاملا مع هذه المشكلات بصورة واقعية: - أولاً: يدركا أنه لا بد من التنازل؛ لأنك أنتَ عندكَ أخطاء، ستتحملها زوجتكَ، وأنتِ عندكِ أخطاء سيتحملها زوجكِ، وهناك نوع من التفاوت في الطبائع لا بد أن يوجد -غالباً- ولو قدر يسير منه، فلا بد من التنازل من كل من الطرفين حتى تستمر الحياة الزوجية، ثم إذا تفاقَمَ الأمْرُ، فكما حَكَمَ اللهُ وأَمَرَ: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] فيمكن أن تقوم هذه اللجنة بدور الإصلاح ورأب الصدع، وحل المشكلات التي عجز الزوجان عن حلها فيما بينهما، فإذا تفاقم الأمر فقد تكون هناك حلول أخرى شرعها الله عزَّ وجلَّ، كالطلاق، أو تعدد الزوجات، أو أي حل آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015